التخطي إلى المحتوى الرئيسي

احمد عصيد الى المقامرين بالوطن

إلى المقامرين بالوطن
=============
إذا صحّ أن بعض الشخصيات السياسية المغربية من التيار الإسلامي الإخواني تدعم التطرف المسلح بالعراق وسوريا، وتجمع له التبرعات المالية وتحشد المؤازرة المعنوية، وتشجع الشباب المغربي على الانضمام إليه، فسيكون علينا أن نكون صرحاء ونقول إنّ هؤلاء يمثلون خطرا حقيقيا على أمن بلادهم واستقرارها.
فالذي يصل به عمى البصيرة إلى درجة أن يدعم بالمال جماعات من القتلة، لا مشروع لهم بتاتا سوى نشر الخراب وعرقلة بناء الدولة، وإشاعة ثقافة الذبح والتقتيل وقيم الكراهية، وأن يجعل شباب وطنه وقودا لفتنة ليس لها أي هدف نبيل سوى إشعال نار الطائفية والحقد الديني، لا يمكن أن يحمل الوطن في قلبه وضميره، ولا يمكن أن يتم الاطمئنان إليه وهو يندسّ بين الطبقة السياسية للعب دور من يتظاهر بالرغبة في الإسهام في تسيير شؤون البلاد وتدبير أوضاعها
سيكون علينا في مثل هذه النازلة أن نميز تمييزا مبدئيا واضحا بين حرية كل واحد في التعبير والرأي والموقف، والتي نعتبرها مقدسة، ومستعدون للاستماتة في الدفاع عنها إلى آخر رمق، وبين الكيد للوطن والانخراط في مشاريع الدمار الأجنبية، التي لن تجر علينا إلا الفتن والخراب الشامل، نقول هذا لسببين لا لبس فيهما:
ـ أولهما أن هؤلاء يتظاهرون بالانخراط في الخيار السياسي السلمي ويشاركون في الانتخابات، ويضعون أقنعة من يتقاسم مع الناس الشعور الوطني والخيار الديمقراطي، ولا يصحّ أن ينضموا في نفس الوقت إلى خيار العنف الوحشي والدمار الشامل وتهديد أمن المجتمعات الأخرى، دون حساب العواقب الداخلية والتداعيات على بلدهم المغرب.
ـ ثانيهما أنّ تشجيع الشباب المغربي على الالتحاق بمعسكرات القتال في دول تواجه مصيرا مجهولا، يلقي بهم في أتون حرب طاحنة يعيشون فيها أحداثا مهولة، إن لم يُقتلوا فيها فسيعودون إلى وطنهم بتدريب عسكري على أنواع السلاح الفتاك، وبأمراض نفسية خطيرة يستحيل معها أن يعودوا إلى سابق حياتهم الطبيعية داخل وطنهم، مما يجعلهم قنابل موقوتة وعوامل تهديد حقيقي لأمن المغاربة وللخيار الوطني السلمي.
إن أزمة الثقة في الأصولية الدينية تزداد مع ازدياد النزاعات المسلحة، التي وقودها الناس وأموال البترول، وهي نزاعات تظهر بالملموس انعدام الحكمة والتبصر، وغياب استراتيجية واضحة للنهوض، فالأحقاد الطائفية حرب خاسرة مهما كانت التضحيات المبذولة فيها، وضحاياها أبطال بلا مجد ولا كرامة، لأن ما يموتون من أجله لن ينتج عنه إلا تشظي خرائط بلدان أنهكها الاستبداد والفساد باسم الدين تارة وباسم الحزب الوحيد أو الحكم الفردي تارة أخرى، وهي تتهيأ الآن لدخول مرحلة محاكم التفتيش والردّة القيمية والسياسية والثقافية التي لن تنهض منها إلا بعد عشرات السنين، دون أن ننسى إمكانية أن يسفر كل ذلك عن تفتيت الأوطان وتقسيمها إلى دويلات لن يكون لها شأن يذكر، سوى أن تظل مصدر تهديد للجوار الإقليمي، وتتصدر لمدة غير يسيرة نشرات الأخبار باعتبارها مصدر فرجة غير مسلية.

إن خطر المقامرة يكمن في أن المقامر انتحاري بطبعه، كما أنه لا يحسب العواقب إلا بعد فوات الأوان، ولهذا من حقنا أن نخشى على وطننا من هؤلاء، لأنه عندهم مجرد وسيلة وليس غاية، ولأن الغاية سراب وأوهام لا يمكن أن تعوض دفء الوطن وجماله.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مختصر تفسير الحزب الأول... سورة البقرة الجزء الأول

الجزء الأول من القران: هذا الجزء مكون من ثمانية أرباع: - ربع الحزب الأول: يتكلم عن أصناف الناس وكأننا نستعرض الأصناف الموجودة على هذه الأرض والتي سيكلف أحدها بالإستخلاف. - الربع الثاني: أول تجربة إستخلاف على الأرض: آدم عليه السلام. - الربع الثالث إلى السابع: أمة استخلفها الله على هذه الأرض لمدة طويلة وفشلت في المهمة، بنو إسرائيل.  - الربع الثامن والأخير: تجربة سيدنا إبراهيم عليه السلام الناجحة في الإستخلاف.  تجربة سيدنا آدم تجربة تمهيدية تعليمية، وكانت المواجهة بين إبليس وسيدنا آدم عليه السلام لإعلان بداية مسؤولية سيدنا آدم وذريته عن الأرض. ثم بنو إسرائيل: نموذج فاشل، فهم أناس حملوا المسؤولية وفشلوا، وتستمر السورة في ذكر أخطائهم لا لشتمهم ولكن ليقال للأمة التي ستستخلف: تنبهي من الوقوع في الأخطاء التي وقعت فيها الأمة التي قد سبقت في الاستخلاف! وآخر ربع يضرب الله به المثل بالتجربة الناجحة لشخص جعله الله خليفة في الأرض وهو سيدنا إبراهيم عليه السلام. ويكون الترتيب هذا منطقياً، فبدأَ بآدم التجربة الأولى وختم بالتجربة الناجحة لرفع المعنويات وبينهم التجربة الفاشلة، للت
"ميسرة المطغريّ" (أو المدغريّ) بطلٌ أمازيغيٌّ، رفض الانصياع للعرب الفاتحين، ما جعلهم يصفونه في كتب تاريخهم بالحقير، والخفير، والفقير، والسقّاء. ولربّما ترجع هذه الألقاب إلى كون "ميسرة" ينحدر من عائلةٍ فقيرةٍ، وأنّ أباه، أو هو نفسه كان سقّاءً يبيع الماء في الأسواق (E. L?vi-Proven?al). وقد أجمع أكثر المؤرّخين (العرب طبعاً) على تلقيب ميسرة بـ "الحقير"، على الرغم من أنّه لم يكن في حياته حقيراً؛ فقد كان ـ كما يقول ابن خلدون ـ شيخ قبيلته والمقدّم فيها؛ وكان من خوارج المغرب الصفريّة، من مدغرة أو (مطغرة)، وهي بطنٌ من زناتة. كما كان من أتباع المهلّب بن أبي صفرة (أو من أتباع زياد بن أبي صفرة). وفي العودة إلى الوقائع التاريخيّة، نجد أنّ الظلم الأمويّ كان من الأسباب المهمّة في بحث المسلمين عموماً عن أفكارٍ ثوريّةٍ تُشرّع لهم مواجهة الظّلم والتعصّب القوميّ والقبائليّ، وهو ما تُظهره تجربة البربر في الغرب، حين مالوا إلى الفكر الخارجيّ، بعد معاناةٍ طويلةٍ مع السلطة الأمويّة، وبعد الإجحاف الذي طالهم، إثر دورهم الرئيسيّ في فتح الأندلس، وفي تثبيت