اعتبر رئيس المرصد الأمازيغي للحقوق والحريات، أحمد عصيد، أنّ الحكومة الحالية قد تم تنصيبها في سياق غير مسبوق ولا علاقة له بالحكومات السابقة، و"هذا السياق هو الربيع الديمقراطي الذي عرف انتفاضات شعبية كبيرة في العديد من دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط، أدت إلى أحداث هائلة وإلى زلزلة كبيرة في واقع هذه البلدان، مما جعل انتظارات المغاربة على غرار الشعوب الأخرى انتظارات كبيرة".
وأورد عصيد في تصريح لهسبريس أن سقف المطالب ارتفع ليصل إلى "إسقاط الاستبداد والفساد"، موردا أن ذلك ما يجعل أي تقييم للحكومة الحالية لا يأخذ بعين الاعتبار هذا السقف مجرد كلام عديم المصداقية، مشددا على أن المعيار الرئيسي لتقييم عملها هو مدى نجاحها أو فشلها في إنهاء الاستبداد أو تقليصه أو إضعافه وفي إسقاط الفساد ومحاربته.
وأكد المتحدث أنه اعتماد على ذلك المعيار فالحكومة الحالية لم تفلح في خلق سياق جديد لتدبير الشأن العام بالمغرب بقدر ما كرست استمرارية النسق على ما هو عليه، وأضاف "على مستوى بنيات الاستبداد اضطر بنكيران للتنازل عن العديد من صلاحياته الدستورية بمجرد بدء اشتغال طاحونة الاستبداد بآلياتها التقليدية بعد تنصيب الحكومة، فظهر جليا بأن الحكومة التي يزعم رئيسها بأنها تمثل "الشعب"، لا تمثل إلا الأحزاب التي تشكلها، وأنه لا شيء من سلطات القرار بيدها، حيث استمر النظام السياسي في فرض التوجهات السياسية الكبرى والتخطيط لها من خارج الحكومة والبرلمان".
وزاد رئيس المرصد الأمازيغي للحقوق والحريات، "وظل على الحكومة أن تنفذ السياسات المرسومة، ولم يظهر في القوانين التي تقدمت بها الحكومة ما يفيد استهداف بؤر الاستبداد في الدولة أو محاولة التمكين للخيار الديمقراطي، بل أكثر من ذلك لقد أصبح ما يشغل حزب المصباح الذي يرأس الحكومة هو التمكين لنفسه بجوار الملك خديما للاستبداد، وليس حزبا منتخبا ذا مشروع واضح".
في هذا السياق اعتبر أحمد عصيد أنه تم تسجيل تزايد خروقات حقوق الإنسان في ظل الحكومة، وخلال السنة المنصرمة على الخصوص، حيث تزايد حسب المتحدث المنع والحظر والعنف السلطوي ضدّ المتظاهرين والعاطلين والطلبة والأساتذة وضد الحقوقيين بشكل وصف بالخطير، "حتى أصبح حظرا ممنهجا بالنسبة للعديد من التنظيمات، كما نسجل قيام وزراء الأحزاب المشاركة في الحكومة وعلى رأسهم بنكيران ووزيره في الاتصال بتبرير سياسة المنع والحظر بأعذار واهية هي نفس الأعذار التي اتبعتها الحكومات السابقة، إلى درجة أنه يبدو لنا كما لو أن الماضي يعيد نفسه بنفس العبارات والجمل والوقائع" يقول عصيد.
أما على مستوى محاربة الفساد، أورد الناشط الأمازيغي أن بنكيران قد أقر بقوة مافيات الفساد وصعوبة محاربتها فانتهى إلى الانبطاح أمامها وإعلان العفو عن المفسدين مما جعل المبدأ الدستوري "ربط المسؤولية بالمحاسبة" يسقط في الماء حسب وصفة، وأضاف "وقد ظهر بوضوح تجنب الحكومة الحالية التصادم مع مراكز النفوذ المافيوزية في الدولة سواء منها الإدارية أو الاقتصادية، مما أدى إلى تزايد الفساد وتزايد الاستبداد عوض إضعافهما، بل رأينا كيف حوكم المواطنون الذين سعوا إلى فضح الفساد بينما ظل المفسدون الكبار الذين سطوا على المال العام بعيدين عن المحاسبة، ومنهم من تحالف معه بنكيران في الحكومة الحالية".
من جانب آخر اعتبر عصيد أن الحكومة الحالية لم تستطع إرساء دعائم اقتصاد وطني قوي بأسسه العقلانية في إطار القانون، فاضطرت إلى محاولة التقليص من أزماتها المالية عبر التقليص من ميزانية الاستثمار الداخلي واللجوء إلى القروض الدولية وهو إجراء اعتبره المتحدث خاسرا، " طالما عمدت إليه الحكومات السابقة التي أغرقت المغرب في كوارث وأوضاع صعبة، كما تحلت هذه الحكومة بالكثير من "الشجاعة السياسية" التي تمثلت في الزيادة في الأسعار دون مراعاة لأوضاع الفئات الهشة، حيث وجّهت ضربات متوالية للقدرة الشرائية للقوى العاملة والطبقات الفقيرة" يورد المتحدث.
واسترسل عصيد في تقييم أداء الحكومة لثلاث سنوات وأضاف "من جانب آخر لم تستطع الحكومة الحالية سوى الهرب والتزام الصمت أمام الملفات الحارقة للفساد الأكبر مثل استغلال المناجم ونهب الثروات المعدنية على حساب السكان الفقراء والمهمشين، فها هم سكان إميضر ما زالوا في العراء منذ ثلاث سنوات دون حلّ، بل إن المنتخبين المحسوبين على حزب المصباح انضموا إلى المفسدين في منطقة إميضر عوض الوقوف بجانب السكان، كما أن العديد من المناجم الأخرى أشاعت التلوث وأضرت بمصالح السكان في العديد من مناطق المغرب دون حسيب أو رقيب، وقد وقفت الحكومة الحالية أيضا موقف المتفرج على نهب أراضي القبائل ومصادرة الخيرات والموارد في خرق لكل القوانين، وصمّت آذانها على صيحات السكان المتضرّرين في المناطق المختلفة".
أما في ما يخصّ الحقوق الثقافية واللغوية الأمازيغية، فاعتبر أحمد عصيد أن السمة الغالبة على هذه الحكومة هي التجاهل التام، موردا أن الامازيغية عرفت تراجعات كبيرة في مختلف القطاعات وخاصة في التعليم، رغم الانتقادات التي وُجهت اليها والاحتجاجات التي نظمت ضدّها فقد تمادت في أسلوب ترسيخ الميز عمليا ضدّ الأمازيغية.
وختم عصيد حديثه لهسبريس "من هذا المنطلق أعتقد أن إغراق الحكومة في سرد "منجزاتها" الصغيرة ذات الطابع القطاعي هو في السياق الحالي عمل غير مجدي ، لأنه أمر لا أثر له على أوضاع المواطنين ومعاناتهم إذ يتعلق الأمر بالتدبير اليومي الإداري العادي للقطاعات المختلفة، والذي يمكن أن تقوم به أية حكومة كيفما كانت، فالمطلوب هو إحداث تغيير على مستوى السياسات والخيارات الكبرى، من أجل نقل هياكل الدولة من النسق الاستبدادي الفاسد إلى النسق الديمقراطي، وهذا أمر ليس بيد الحكومة ولا طاقة لها به، ولا يعني هذا أننا نطالب بالمستحيل، بل فقط بما وعدت به الحكومة في تصريحها الأول".
تعليقات
إرسال تعليق