التخطي إلى المحتوى الرئيسي

رحلة الامازيغ في البحت عن اكوش



رحلة الامازيغ في البحث عن أكوش  
محمد ربيع عاشور \ ماسينيسا كباون
٭٭٭
منذ طويل زمن غابر مضى كان ألامازيغ في شمال افريقيا يسيطر على تفكيرهم اهتماما عميقا بالوجود والخالق والخلق ، وتجرجرهم رغبة جامحة في معرفة اسرار من الذي يحرك الرياح لتعصف بالزرع والضرع ؟ من الذي يمسك بالخيوط الخفية التي تحرك الرعود وتشعل البرق في السماء لتسيل المياه منها ؟ من هذا الذي يقف خلف الشمس ليزيد من حرارتها في النهار ثم يحيلها الي بردا وسلاما في الليل ؟ من هذا الذي يجعل امواج البحر تهدر وتثور وترتفع الي مئات الامتار في السماء كأنه ألقى حجرة بحجم كوكب الارض في قاع البحر ؟ من هذا الذي يتحكم في نوعية المياه التي يرسلها من السماء ٠ فتاتي مرة عدبة رقراقة وفي مرة اخرى تأتي على هيئة ثلوج تعلق بقمم الجبال ثم تسيل في أودية يمكن ان تجرف كل الاشياء التي امامها ؟ ثم لماذا يموت الانسان ؟ وهل يمكن ان ننتظره حتى يعود ؟ ٠ هل نعد له الغداء ونجهز له ملابسه ؟كل هذه الاسئلة وغيرها كان الامازيغ يطرحونها بقوة على انفسهم ومع انفسهم ٠
ولابد انه ليس سهلا ولا حتى يسيرا ان نعود بالزمن الي وقت العصر الحديدي والعصر الحجري الحديث ، لنضع صورة متكاملة حول كيفية تعاطي الامازيغ مع تلك الاسئلة الوجودية، غير ان مفاتيح اخرى مازال بامكاننا استخدامها لاستحضار صورة عن مشهد رحلة البحث عن أكوش = الله عند الامازيغ ٠٠٠٠ اهم هذه المفاتيح تعلن عن حضورها بضيغة اخرى في النسيج والمنتجات والصناعات والمنتج من الملابس التي ضل الليبيون يتلحفون بها حتى الان ، وتعتبر تلابا ( الجرد الليبي ) احد أهم السجلات التي احتفظت لنا بمدى قدسية الهتهم الاولى - سنعود اليها فيما بعد - ، وهناك مفاتيح اخرى مبعثرة هنا وهناك تسمح لنا برصد اجابات الامازيغ عن السؤال من هو الخالق ؟ ربما بعض هذه الاجابات سنجدها عند اولائك الدين عرفوا الامازيغ اما عن طريق التبادل التجاري او عن طريق علاقات العداء والحروب والغزوات ٠٠
كما تظل العادات التي يمارسها الليبيون حتى الان وكذا تقاليدهم ، مفاتيح اخرى للحصول على مشهدية اكثر وضوحا عن الاسئلة التي حيرتهم وقتها ، ولعل طقوس اشعال النار في مناسبة عاشوراء هي طقوس مرتبطة فقط بالامازيغ ولم نسمع انه في المشرق يستخدمون النار في عاشوراء ، وحتى وان تحولت طقوس اشعال النار في مناسبة عاشوراء الي طقوس مواكبة لمناسبات دينية فيما بعد غير ان تلك الطقوس كانت تمارس مند قبل الميلاد وكان الاجداد الليبيون يعبدون النار ، ومعلوما ان بعض الجبال ماتزال تحتفظ باسمائها القديمة المرتبطة بعبادة النار والتى كانت تقام على قممها طقوس التعبد باللهب ، وهناك اكثر من جبل ابتداءا من جبال اطلس ووصولا الي درار نفوسا في ليبيا مايزالون يحتفظون باسم - ابنايو - وهو اسم يطلق على قمم الجبال التي توقد فيها النيران المقدسة ومنها ابناين وهي مدينة في كباو - ادرار نفوسا - وقد خمدت ألسنة اللهب المرتفعة من قممه منذ زمن بعيد ، فيما تركت تلك الطقوس بصماتها في نيران عاشوراء التي يشعلها الامازيغ حتى هذا التوقيت ٠

ان التفكير في الخالق على امتداد هذا الزمن لم يتوقف عند الامازيغ ، وفي العادة يطلقون مصطلح ربي على ( الله ) وهو مصطلح لم يعرفه المشرق بحيث يدعونه الله ولاندري كيف ضهر المصطلح ربي لكنه من المؤكد انه تسمية ليبية صرفة لاوجود لها على جغرافيا اخرى ، ولاندري ما اذا كان مصطلحا أوسع من ذلك ليشمل - رب الاسرة - ورب العمل - ورب الرياح - ورب المطر - ٠٠٠٠ الخ
واكثر وضوحا من مصطلح ربي هناك مصطلح أكوش والذي يقابله في العربية الله ، ويبدو ان مصطلح أكوش منحوتا من الصيغة الامازيغية - أيوش - وتعني في العربية - يعطي - ٠
يوش - أيوش - ياكوش - أكوش - وكلها تقابلها في العربية - يعطي - العاطي وأكيوش وتعني يعطيك ، ومؤكد ان الليبيون وحدهم الدين يستخدمون مصطلح - العاطي - وهي ترجمة حرفية - ل أكوش - ونقول في الدارجة الليبية -( العاطي حي ) ،، وقد قرأت مرة نص للكاتب الراحل سعيد السيفاو ينتهي بالعبارة - " أكوش يللا _" بمعني الله موجود ٠

٭٭ النظر الي السماء ٭٭٭٭٭
كان لابد للسماء ان تلفت انظار الامازيغ وقتها وكان لابد ان يسحرهم هذا الطبق المرصع بالنجوم التي تمتد الي ما لانهاية ، ولان الشمس هي الاكثر حضورا في الحياة فان رسوماتهم والمنحوتات كما النقوش التي تركوها تؤكد انهم عبدوا الشمس والقمر ، وتشير بعض الرسوم الي الشمس في هيئة أسد يضهر شعر عنقه على هيئة شعاع ، وربما شخصية الاسد لاتزال حاضرة في الحكايات الشعبية ، واكثر من ذلك فانه انعكس على اسمائهم حيث ينتشر اسم ازم = الاسد بين ابنائهم حتى هذا التاريخ ٠

٭٭٭٭ ايور ٭٭٭
واذا كانت هناك ثقافات لاتزال تتغزل في القمر ولايزال العشاق يتواعدون وقت حضوره ويحيك الشعراء نصوصهم على شوارب القمر ، فان الامازيغ قد اعتبروا القمر الها وينادونه الاله ايور = القمر ، هذا الكلام يعززه لنا هيرودوث حين يقول " ان الامازيغ قدموا بالفعل الدبائح والقرابين للشمس والقمر " ويؤكد بليني قصة تقرب الامازيغ بالدبائح والقرابين في القرن الاول للميلاد ، ويقول شيشرون انه عندما قابل أگليد ماسينيسا = الملك ماسينيسا الجنرال سكيبيو الروماني ، "صلى للشمس وهو يقول " اني اقدم شكري العميق لك ايتها الشمس المرتفعة والي سائر الالهة ايضا في السماء ٠٠٠٠ "
طقوس عبادة الشمس سوف تستمر عند الامازيغ من القرن الاول الميلادي حتى الي مابعد مجيئ ابن خلدون ليرصد لنا في القرن الرابع عشر بعد الميلاد عبادة الامازيغ للشمس والقمر ٠
على ان تمازغا - شمال افريقيا - لم تقتصر كل تجمعاتها السكانية على عبادة الشمس والقمر ، - مع ملاحظة التلازم بين الشمس والقمر وستخرج صياغة اخرى لها فيما بعد في القران "والشمس والقمر بحسبان " ، لم تكن كل الساكنة تعبد الشمس والقمر ، بل كان هناك ألهة اخرى تزامنت وتعاقبت منها الاله انزر = اله المطر والالهة - امان - اسلي - امون ، ويذهب بليني الي القول "ان الليبيين يعتبرون اطلس الها ومعبدا " وكان الليبيون المجندون عند الرومان يحرصون على ارضاء الاله - داي موري - قبل ذهابهم الي الحروب ويفعل ذلك اخرون عند السفر او التجارة ، وكان هناك اخرين يعبدون الهة اخرى نصفها بشر ونصفها حيوان ولابد ان نذكر هنا ربة التعابين الليبية ، وهي تضهر بوجهين لتعبان واحد ، ويعتقد اخرون في الهة تزيح عن طريقهم الحسد وتأمن لهم سلامة الطريق والسفر ، هذه الاخيرة سوف تنتهي الي تمائم يعلقها التوارگ على صدورهم لتؤمن لهم سفرا أمنا ولتعود قوافلهم التي تجوب الصحاري بالخير ، ولعل الدبائح التي يقدمها الليبيون في هدا الوقت وفي مناسبات كثيرة منها ( النذر ) لاتغدو كونها طقوس قديمة مارسها اجدادهم الليبيون الاولون ٠

٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭ الاله انزر ٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭
هناك طقوس اخرى قديمة لكنها ماتزال قائمة في صيغة حداثوية ، وهذه الطقوس تتعلق بطلب الماء ولان الاله انزر هو الذي يأذن بذلك ، كانت النسوة هن اللائي يخرجن في موكب جماعي وهم يمسكون بعرائس يصنعونها بانفسهم ويحملونها في موكب مهيب ممزوج بالدعاء والغناء وهم يسيرون لطلب الماء من الاله انزر = اله المطر - ٠ هذا الطقس لايزال قائما غير ان الرجال هم الدين سيقودون الموكب هذه المرة وسوف تصحبهم صيغة حديثة للدعاء واستجداء المطر بالسقوط ٠ الحالة شبيهة عند ساكنة النيل وربما ذهبوا الي اكثر من ذلك في اعتقادهم وكانوا يرمون بفتاة وهي في كامل زينتها ارضاء لا اله الماء وسط النيل ٠

٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭ من العين الشريرة الي تانيت ٭٭٭٭٭٭٭

نستنتج ان رحلة البحث عن أكوش في السماء لم تنقطع منذ ان عبد الامازيغ الشمس والقمر وهي عادة لايزال الناس يمارسونها في صياغتها الحديثة ، حيث تنتشر البرامج التي تبحث في الابراج على الفضائيات وينتشر المنجمين بالابراج في كل مكان ، التفاصيل تقودنا الي بعض انواع الخرز والعقيق والخميسة وبعض التعاويد التي يعلقها المؤمنين بها على صدورهم ، كلها كانت عبارة عن ألهة تزامنت ورافقت الالهة تانيت الليبية، اشهر الالهة على الاطلاق في حوض المتوسط ، ويعتقد البعض ان ( الخميسة ) وهي عبارة عن اصابع يد مفتوحة ، يعتقدون انها جاءت من المشرق - العرب - ويسميها البعض ( يد فاطمة الزهراء ) غير ان ذلك غير صحيح والنقوش والمنحوتات التي وجدت في تمازغا ( شمال افريقيا ) تؤكد تزامن الالهة تانيت مع الخميسة التي تحولت الى رمز لابعاد الحسد واتقاء شر العين ، والالهة تانيت المشهورة سوف تتحول فيما بعد الي اسم العاصمة اليونانية - اتينا - وماهي الاتحريف لاسم الالهة تانيت الليبية ٠
والالهة الليبية تانيت ترمز الي الخصب وقد انغرست في التفاصيل الدقيقة للامازيغ الليبين تحديدا حتى ان صورتها صورتهااصبحت عالقة بملابسهم ، ولابد ان تلابا = الجرد كان احد اهم السجلات الارشيفية لهده الالهة بحيث مايزال اهل نفوسا في ليبيا ينقشون رمز الالهة تانيت على اطراف تلابا = الجرد ، وتقول الباحثة الليبية سعاد بوبرنوسة في احد بحوثها حول النسيج الامازيغي "عندما ينجب الطفل ( ذكرأوأنثى) وفى أول أيامة تلبسة أمة قطعة جرد على طبقتين وبها فتحة يدخل فيها راس الطفل وتخاط من الجانبين تـــسمي تـــاقـــدوارت وكذلك تلبسه قــــطعـــة جـــرد صـــغيرة مـــــســـتـــطــيـــلـة قــليــلا ( تـــاســـكوفــيــت ) عــلي راسه ثم تضع فوقها عـَصـــابة من الجرد أيضا ( تـــاعـــصــابــت ).
وذلك اللــباس ســوف يعود عند الوفاة فيلبس الرجل والمرآة عند الوفاة قطعة جرد حيت يلف جســده بقطعة جرد قديم وذلك لم تهتري أطرافه وتزول زخارفه بفعل القدم وتقوم النسوه بإزالة زخارفه النسيجية من الجانبين * حيث تعطى هاتين القطعتين ذات الزخارف إلي حفيدة العجوز المتوفية وفوق الجرد يوضع الكفن وهو قطعة قماش أبيض وكذلك توضع فوق جثمان المتوفيه الملفة والعصابة ( تملفاء وتعصابت ) " انتهى الاقتباسي ، ولان اطراف الجرد المزركشة بالنقوش ماهي الا نقوش للالهة تانيت التي ترمز الي الخصب وهي الهتم فكيف يمكن ان ندفن الالهة ؟ وقد درجت العادة عند الامازيغ وقت الدفن ان يحتفظوا بالنقوش المرسومة على اطراف تلابا = الجرد لانها الهة ولايجوز دفنها مع الميت وهدا تقديسا واضحا لالهتهم

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مختصر تفسير الحزب الأول... سورة البقرة الجزء الأول

الجزء الأول من القران: هذا الجزء مكون من ثمانية أرباع: - ربع الحزب الأول: يتكلم عن أصناف الناس وكأننا نستعرض الأصناف الموجودة على هذه الأرض والتي سيكلف أحدها بالإستخلاف. - الربع الثاني: أول تجربة إستخلاف على الأرض: آدم عليه السلام. - الربع الثالث إلى السابع: أمة استخلفها الله على هذه الأرض لمدة طويلة وفشلت في المهمة، بنو إسرائيل.  - الربع الثامن والأخير: تجربة سيدنا إبراهيم عليه السلام الناجحة في الإستخلاف.  تجربة سيدنا آدم تجربة تمهيدية تعليمية، وكانت المواجهة بين إبليس وسيدنا آدم عليه السلام لإعلان بداية مسؤولية سيدنا آدم وذريته عن الأرض. ثم بنو إسرائيل: نموذج فاشل، فهم أناس حملوا المسؤولية وفشلوا، وتستمر السورة في ذكر أخطائهم لا لشتمهم ولكن ليقال للأمة التي ستستخلف: تنبهي من الوقوع في الأخطاء التي وقعت فيها الأمة التي قد سبقت في الاستخلاف! وآخر ربع يضرب الله به المثل بالتجربة الناجحة لشخص جعله الله خليفة في الأرض وهو سيدنا إبراهيم عليه السلام. ويكون الترتيب هذا منطقياً، فبدأَ بآدم التجربة الأولى وختم بالتجربة الناجحة لرفع المعنويات وبينهم التجربة الفاشلة، للت
"ميسرة المطغريّ" (أو المدغريّ) بطلٌ أمازيغيٌّ، رفض الانصياع للعرب الفاتحين، ما جعلهم يصفونه في كتب تاريخهم بالحقير، والخفير، والفقير، والسقّاء. ولربّما ترجع هذه الألقاب إلى كون "ميسرة" ينحدر من عائلةٍ فقيرةٍ، وأنّ أباه، أو هو نفسه كان سقّاءً يبيع الماء في الأسواق (E. L?vi-Proven?al). وقد أجمع أكثر المؤرّخين (العرب طبعاً) على تلقيب ميسرة بـ "الحقير"، على الرغم من أنّه لم يكن في حياته حقيراً؛ فقد كان ـ كما يقول ابن خلدون ـ شيخ قبيلته والمقدّم فيها؛ وكان من خوارج المغرب الصفريّة، من مدغرة أو (مطغرة)، وهي بطنٌ من زناتة. كما كان من أتباع المهلّب بن أبي صفرة (أو من أتباع زياد بن أبي صفرة). وفي العودة إلى الوقائع التاريخيّة، نجد أنّ الظلم الأمويّ كان من الأسباب المهمّة في بحث المسلمين عموماً عن أفكارٍ ثوريّةٍ تُشرّع لهم مواجهة الظّلم والتعصّب القوميّ والقبائليّ، وهو ما تُظهره تجربة البربر في الغرب، حين مالوا إلى الفكر الخارجيّ، بعد معاناةٍ طويلةٍ مع السلطة الأمويّة، وبعد الإجحاف الذي طالهم، إثر دورهم الرئيسيّ في فتح الأندلس، وفي تثبيت