التخطي إلى المحتوى الرئيسي

لكيلا نخسر المستقيل لا تضريوا الأطفال 1

يحدث للمرة الثانية على التتالي أعزم على إستكمال مقالات سلسلة (الخلافة الإسلامية .. الجدل القديم) ثم يطرأ طاريء يحفزني إلى التأجيل لكيلا يفوتنى موضوع الساعة. ومسألة الساعة التي استفزت منى اليراع هذه المرة قولٌ منسوب لوزارة التربية بولاية الخرطوم يقول : أن ايقاف جلد الأطفال أدى إلى تطاول التلاميذ على أساتذتهم . وقيل أنها كشفت عن استغلال بعض الأسر لقانون الأسرة والطفل ضد المعلمين الذين يعاقبون أبناء تلكم الأسر . وقيل أيضاً أن الوزارة أعلنت عن عزمها على مراجعة اللائحة لأحداث التوازن المطلوب (الذي يسمح جلد الأطفال) . ولقد حدثتني نفسي ولم تك دائماً صادقة ولا حاذقة أن أوان جلد الأطفال سبيلاً للتربية قد فات وولى زمانه ولكن يبدو أن ذلك لم يكن إلا وهماً خادعاً أو أمنية فانية.
الضرب وسيلة للتربية:
لا نملك إلا التجلة والإحترام لاساتذتنا الكرام . بيد إننا ونحن لا نبريء أنفسنا من الخطأ أوالخطيئة لا نبرؤهم من الأخطاء والخطايا (ان النفس لأمارة بالسؤ إلا ما رحم ربي) . ومن الأخطاء الفادحة التي نجمت عنها عقابيل تتعسر معالجة أثارها النفسية والاجتماعية استخدام الضرب القاسى وسيلة للتربية. ولئلا لا نشتط في الملامة على معلمينا في الزمن الغابر فان تلك كانت شيمة معروفة ووسيلة مشروعة في غالب المعروف والمنشور والمعمول به من الثقافة التربوية السائدة في بلادنا وغالب أرجاء العالم . وإن لم تكن مأذونة في الشرع الإسلامي كما سوف نوضح لاحقاً إلا في حالات النشوز والتمرد . وبشروط قل أن تتوفر إلا في حالاتٍ محسوبة معدودة. وهي عادة كانت الأكثر إنتشاراً في العالم الثالث لأنها عادة متصلة بالتخلف الفكري والحضاري. فالبلاد الناهضة إنما نهضت بنهوض إنسانها وباكتسابه القوة والقدرة والثقة بالنفس . وليس ثمة شيء يحط بذلك مثل التربية القاسية التي لحمتها الضرب وسداها القول الجارح الحاط بالهمة وبالرغبة في التعلم . وأسوأ ما يسؤ الانسان أن يبحث البعض عن شرعية هذه القسوة في شريعة الرحمة السمحاء. تلكم الشريعة التي أعلت من كرامة الإنسان حتى سجدت له الملائكة بأمر الله رب العالمين . فجوهر إنسانية الانسان هي كرامته التي تجرحها الاهانة ويزرى بها الأذلال . فعزة الإنسان هي جوهرة هويته . وإنما سُخر الملائكة ينقلون له رسائل السماء ويرصدون أعماله ويستغفرون له . وكل كائنات السموات والأرض سُخرت له لينمي قدراته ومواهبه ويرتقى بها ليرتقى بالكائنات من حوله . فقد أعطى ما لم يعط لغيره العقل المتطور والإرادة الحرة. وارتقاء الإنسان جسدياً ونفسياً وروحياً إنما يحدث له بارادة كامنة فيه . تحفُز خلايا جسده لكي تنمو وتتعافى وتتقوى . وتحفز ملكات عقله لكي تتطور وتترقى في مدارج العلم والعرفان . وتحفز إرادته لكي تتسامى بمرادتها فوق توافه الهمم وصغائر الاشياء ولتسمو خلقياً وروحياً . وأنما التربية هي فعل الآخرين من أولى الحكمة والرشد لإعانة الإنسان صغيراً على النمو والإرتقاء . والتربية من مفردة (ربى )ومعناها الزيادة المتواصلة . وهي أيضاً تطلق على الإنعام والألطاف والرعاية . ومنها معنى الرب وهو الراعي المنعم اللطيف . و معنى رب الشيء انما هو المرء أو المرأة الساهرة على صلاح ذلك الشىء ونموه وارتقائه. فكيف يتصور المتصور أن إهانة الطفل وإذلاله والحط من كرامته سوف يكون درجاً للترقي إلى كرائم الاخلاق وحسن الشمائل وبناء القدرات والملكات!!
محمد صلى الله عليه وسلم النبي الرحيم
والمربي الأعظم الذي هو الرسول صلى الله عليه وسلم والذي ربى الكبار قبل الصغار لم يُؤثر عنه أنه ضرب طفلاً قط ولا أصابه بجارحة من لفظ أو قول وهو هو أسوتنا وقدوتنا وسيرته ومسيرته وعمله هو البيان بالعمل للصلاح والفلاح والترقي إلى أسمى مقامات الإنسانية . ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حنوناً رؤوفاً بالأطفال وكان أشد رأفة ورحمة بالبنات. وقد روى الترمذي وأبو داؤد (أن فاطمة الزهراء كانت إذا دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قام إليها وقبلها وأجلسها في مجلسه ) وروى البخاري أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلى حاملاً أمامة أبنة أبنته زينب على عتقه. وهو القائل في وصيته لأصحابه عن تربية الأبناء (لاعبه سبعاً وأدبه سبعاً وصاحبه سبعاً) بيد أن أناساً من جفاة الطباع غلاظ الاكباد قساة القلوب قد فسروا الأدب بالضرب وما لهم الى ذلك من سبيل.أنظر كيف يعامل ويخاطب الفتيان. فقد كان معاذ بن جبل تابعاً حدث السن يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يعنفه بقول فى يوم من الايام بله أن يضربه وعنه رضى الله عنه أنه قال:أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدى فقال : أنى لأاحبك يامعاذ فقلت : وأنى لأحبك يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فلا تدع أن تقول فى كل صلاة رب أعنى على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ) 
يقول معاذ فما أدرى كيف فعلت فى هذه الكلمة فعل السحر فقلت أذا أحبك رسول الله صلى الله عليه وسلم فهل بعد هذه المرتبة من مرتبة . فشتان من يربى الأبناء بالمحبة ومن يربيهم بالسوط . فلم يتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم سوطاً قط ولا للدابة فقد كان نهجه الرحمة والرفق. وما كان أمرٌ من الأمور يغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل القسوة والضرب وجفاء الطبع. وقد أخبر أصحابه عندما علم ان بعضهم يضربون نساءهم (وليسوا أولئك خياركم) وحكى أبن مسعود عن غضب النبي صلى الله عليه وسلم عندما رآه يضرب غلاماً له فقال (كنت أضرب غلاماً لي بالسوط فسمعت صوتاً من خلفي يقول : أعلم يا بن مسعود .. أعلم يا بن مسعود .. أعلم يا بن مسعود فلم أفهم الصوت من الغضب.فلما دنا منى إذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا هو يقول (أعلم يا بن مسعود ان الله أقدر عليك منك على هذا الغلام ) فقلت يا رسول الله هو حر لوجه الله فقال صلى الله عليه وسلم ما لم تفعل للفحتك النار أو مستك النار (فقلت والذي بعتك بالحق لا أضرب عبداً بعده أبداً ) . فكيف تضربون أبناء الناس يا هؤلاء وتحسبون أنكم تحسنون صنعاً ؟؟ وهل يسأل الضارب نفسه وهو الممارى المكابر هل كان يضرب الطفل عندما كان يضربه وهو رابط الجأش هاديء الأعصاب ممتلك لغضبه متمكن من كبت سخطه ؟ فان لم يكن ذلك كذلك فهوضرب في مقام الانتقام لا مقام التربية.
ويحتج بعض هؤلاء على شرعية الضرب رغم متواتر الأخبار عن كراهية الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الأسلوب الذي يضاد الرحمة ويناقض الرأفة والعناية من كل وجه ويتعللون ببعض أقوال وأحاديث وردت في شأن أصحاب المعاندة والشذوذ والنشوز . ثم وُضعت لها شروط تُحيلها إلى مجرد رمز لعدم الرضا الرفض للسلوك موضع النقد وإنما ذلك يكون موضوع لحلقة قادمة من هذا المقال بأذن الله

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مختصر تفسير الحزب الأول... سورة البقرة الجزء الأول

الجزء الأول من القران: هذا الجزء مكون من ثمانية أرباع: - ربع الحزب الأول: يتكلم عن أصناف الناس وكأننا نستعرض الأصناف الموجودة على هذه الأرض والتي سيكلف أحدها بالإستخلاف. - الربع الثاني: أول تجربة إستخلاف على الأرض: آدم عليه السلام. - الربع الثالث إلى السابع: أمة استخلفها الله على هذه الأرض لمدة طويلة وفشلت في المهمة، بنو إسرائيل.  - الربع الثامن والأخير: تجربة سيدنا إبراهيم عليه السلام الناجحة في الإستخلاف.  تجربة سيدنا آدم تجربة تمهيدية تعليمية، وكانت المواجهة بين إبليس وسيدنا آدم عليه السلام لإعلان بداية مسؤولية سيدنا آدم وذريته عن الأرض. ثم بنو إسرائيل: نموذج فاشل، فهم أناس حملوا المسؤولية وفشلوا، وتستمر السورة في ذكر أخطائهم لا لشتمهم ولكن ليقال للأمة التي ستستخلف: تنبهي من الوقوع في الأخطاء التي وقعت فيها الأمة التي قد سبقت في الاستخلاف! وآخر ربع يضرب الله به المثل بالتجربة الناجحة لشخص جعله الله خليفة في الأرض وهو سيدنا إبراهيم عليه السلام. ويكون الترتيب هذا منطقياً، فبدأَ بآدم التجربة الأولى وختم بالتجربة الناجحة لرفع المعنويات وبينهم التجربة الفاشلة، للت
"ميسرة المطغريّ" (أو المدغريّ) بطلٌ أمازيغيٌّ، رفض الانصياع للعرب الفاتحين، ما جعلهم يصفونه في كتب تاريخهم بالحقير، والخفير، والفقير، والسقّاء. ولربّما ترجع هذه الألقاب إلى كون "ميسرة" ينحدر من عائلةٍ فقيرةٍ، وأنّ أباه، أو هو نفسه كان سقّاءً يبيع الماء في الأسواق (E. L?vi-Proven?al). وقد أجمع أكثر المؤرّخين (العرب طبعاً) على تلقيب ميسرة بـ "الحقير"، على الرغم من أنّه لم يكن في حياته حقيراً؛ فقد كان ـ كما يقول ابن خلدون ـ شيخ قبيلته والمقدّم فيها؛ وكان من خوارج المغرب الصفريّة، من مدغرة أو (مطغرة)، وهي بطنٌ من زناتة. كما كان من أتباع المهلّب بن أبي صفرة (أو من أتباع زياد بن أبي صفرة). وفي العودة إلى الوقائع التاريخيّة، نجد أنّ الظلم الأمويّ كان من الأسباب المهمّة في بحث المسلمين عموماً عن أفكارٍ ثوريّةٍ تُشرّع لهم مواجهة الظّلم والتعصّب القوميّ والقبائليّ، وهو ما تُظهره تجربة البربر في الغرب، حين مالوا إلى الفكر الخارجيّ، بعد معاناةٍ طويلةٍ مع السلطة الأمويّة، وبعد الإجحاف الذي طالهم، إثر دورهم الرئيسيّ في فتح الأندلس، وفي تثبيت