التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الناير الأمازيغي بين الخلط في المفاهيم و تكالب التيار العروبي

الناير الأمازيغي بين الخلط في المفاهيم و تكالب التيار العروبي  :
ككل سنة يعود الحديث عن مناسبة الناير الامازيغ أو يناير  ويكون الخطاب المؤدلج والمنغلق لبعض التيارات العروبية (لايقصد بها العرب أو المعربين) في البلاد في واجهة الحدث لمحاولة تقزيم وتكذيب كل ما له علاقة بالتاريخ الامازيغي وهذا امر طبيعي في حالة ما أدركنا النوايا الاستعمارية لهذا التيار الدخيل الذي يعمل منذ سنوات على صنع تاريخ وهمي في أرض هو وافد اليها ، وتتخلص إدعاءاتهم أن تاريخ شيشونق لا أساس له من الصحة وأنه لا وجود لحضارة أمازيغية وعلى هذا الاساس فالجزائر بلد عربي ربما قبل نزول آدم لو سايرنا طرهاتهم .

بعيدا عن الادلجة ولمحاولة فهم اللبس والإشكال الذي وقع بخصوص الناير لا بد أن نفهم ان قصة رأس السنة الامازيغية مكونة من ثلاثة اجزاء أولها حدث تاريخي قديم متمثل في اعتلاء القائد الامازيغي شيشنوق عرش مصر سنة 950 ق.م وتأسيسه للأسرة الفرعونية الامازيغية الثانية والعشرين ، والجزء الثاني هو تقليد ثقافي تراثي تاريخي لسكان شمال افريقيا متعلق بالأرض والفلاحة ، والجزء الثالث والأخير هو الحركة الامازيغية وفكرة رأس السنة الامازيغية للمناضل الشاوي الكبير عمار نقادي .

دعونا الان نعود الى الجزء الاول في قصة الملك شيشونق : لنؤكد أن قصة الملك شيشونق حقيقية أكدتها الحفريات والنقوش المصرية ،لوحة "حور باسن" المحفوظة الآن بمتحف اللوفر والتي أثبتت نسبه الامازيغي ، و جدار معبد الكرنك الشهير التي خلدت إنتصاراته ، وفي التورات (أخبار الأيام الثاني، الإصحاح 12 الفقرات 01-12 كما يلي : " ... وَفِي ٱلسَّنَةِ ٱلْخَامِسَةِ لِلْمَلِكِ رَحُبْعَامَ صَعِدَ شِيشَقُ مَلِكُ مِصْرَ عَلَى أُورُشَلِيمَ، لِأَنَّهُمْ خَانُوا ٱلرَّبَّ، ٣ بِأَلْفٍ وَمِئَتَيْ مَرْكَبَةٍ وَسِتِّينَ أَلْفَ فَارِسٍ، وَلَمْ يَكُنْ عَدَدٌ لِلشَّعْبِ ٱلَّذِينَ جَاءُوا مَعَهُ مِنْ مِصْرَ: لُوبِيِّينَ وَسُكِّيِّينَ وَكُوشِيِّينَ. ٤ وَأَخَذَ ٱلْمُدُنَٱلْحَصِينَةَٱلَّتِي لِيَهُوذَا وَأَتَى إِلَى أُورُشَلِيمَ. ٥ فَجَاءَ شَمْعِيَا ٱلنَّبِيُّ إِلَى رَحُبْعَامَ وَرُؤَسَاءِ يَهُوذَا ٱلَّذِينَ ٱجْتَمَعُوا فِي أُورُشَلِيمَ مِنْ وَجْهِ شِيشَقَ، وَقَالَ لَهُمْ: «هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: أَنْتُمْ تَرَكْتُمُونِي وَأَنَا أَيْضًا تَرَكْتُكُمْ لِيَدِ شِيشَقَ ) .
 وفي الانجيل (سفر الملوك الأول 14: " 25 وَفِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ لِلْمَلِكِ رَحُبْعَامَ، صَعِدَ شِيشَقُ مَلِكُ مِصْرَ إِلَى أُورُشَلِيمَ،26 وَأَخَذَ خَزَائِنَ بَيْتِ الرَّبِّ وَخَزَائِنَ بَيْتِ الْمَلِكِ، وَأَخَذَ كُلَّ شَيْءٍ. وَأَخَذَ جَمِيعَ أَتْرَاسِ الذَّهَبِ الَّتِي عَمِلَهَا سُلَيْمَانُ.) وحتى في القرءان بسورة الإسراء في حالة ما سلمنا بما جاء في التورات من أن الله عاقب اليهود بأناس أشد بأسا حيث وردت في الآيتين 4 و5 منها:" وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) " .

 وكذلك في كتب التاريخ التي أرخت لتاريخ مصر القديمة وكل هذه المواد التارخية أكدت على أمازيغية شيشونق مؤسس الاسرة الثانية والعشرين بما فيهم رأس الحربة للتيار العربي في الجزائر الدكتور عثمان سعدي الذي يرجع اصول شيشونق الى تونس ربما يربط قبايلة المشوش التي ينحدر منها شيشونق الى ترشيش التونسية حاليا ، المهم من كل هذا هو إجماع جل الوثائق التاريخية على صحة قصة شيشونق وأصوله الامازيغية .

أما اللبس الذي وقع هنا هو في إختلاف المؤرخين حول كيفية وصوله الى عرش الفرعون هل كان ذلك بطريقة سلمية أم بالحرب والغزو ؟ وبطبيعة الحال كان انصار سلمية الحكم من طرف مؤرخي مصر للدافع عن تاريخهم الوطني الذي يمجدونه فيدعون أن الحضور الامازيغي كان قويا داخل مصر حتى أن بلغ في حقبة من الزمن أن الجيش المصري كله كان يتكون من الامازيغ وهو ما سهل الانتقال السلمي للسلطة حسبهم الى الامازيغ سنة 950 ق.م  وهو ما يأكده مصطفى كمال عبد العليم في كتابه درسات في تاريخ ليبيا القديم " إن الجيش المصري أصبح ابتداء من عصر الأسرة العشرين مؤلفا من الليبيين دون سواهم. وقد منحهم ملوك مصر هبات الأرض كأجر لهم وهكذا استطاعوا أن ينشئوا في البلاد جاليات عسكرية وكان يترأس كل حامية رئيس ليبي يحمل لقب الرئيس الكبير لما. “ما” هي اختصار لاسم مشوش.ص 32،33

، وبالمقابل يقول الطرف الاخر من المؤرخين الجزائريين والأوروبيين أمثال شارل أندري جوليان وهو مؤرخ مدافع عن التاريخ الوطني الجزائري ومعادي للمدرسة الفرنسية الكلونيالية يقول في كتابه " ت .ا.ش انه  في سنة 950ق.م يقوم الخليفة السابع لهذا القائد الليبي وهو شيشونق الاول بغزو مصر وتأسيس الاسرة الثانية والعشرين ، وقول أندري جوليان بأن الفن الشعبي المصري يقصد الرسومات قد صور لنا لأول مرة بعد سيطرت الامازيغ على مصر" شعبا شغوفا بالمعارك مخالفا تماما المخالفة بالمجتمع المصري ، وخلافا لما اعتقده المؤرخون القدامى فأن أحفاد رسل آمون القدامى ليسوا هم الذين أسسوا مملكة نباطة Nabata)) التي اتسعت رقعتها في اواخر القرن الثامن من الشلال الاول الى الحبشة .، وأثبتت حفريات رينار  ( Reisner )أن الليبيين هم الذين بسطو نفوذهم على أرض " أكوش " كما فعل ليبيو الشمال بالنسبة للدالتا .ولم يوجد اطوع لتعاليم آمون وكهنته من هؤلاء الاجانب المستوطنين بمصر . ولا شك أن المدنية المصرية أشعت بواسطتهم على الليبيين الغربيين وربما بلغت أنوارها المترامية  أقصى غرب افريقيا " ص 72 .

ولابد أن نقطة ضعف مؤرخي المدرسة المصرية هو في كونه يتفقون  ويعترفون بما سجلته لوحة "نارمير " المصرية أن مصر الفرعونية كانت مصرحا لهجمات متكررة للامازيغ منذ 3300 سنة ق.م خلال حكم أسرة التنييين الاولى وخلال 2600 ق.م نجد في النقوش المصرية ان الاسرة الخامسة بمنف قد شنت حملة عسكرية لمحاربة اللبيين أيضا وبعد ما صد رمسيس الثاني لهجوماتهم يتحالف معهم ضد الحتيين في أوائل القرن الثالث عشر . كما تحالف الامازيغ مع شعوب البحر  وكانوا اغلبية ذلك الجيش وقواده ضد الدلتا  1227 ق.م  " كما أكده المؤرخ فوزي جادا الله في قوله : “وكانت الزعامة في هذا التحالف لليبيين دائما وهذا يعني أن القبائل الليبية كانت قوية ومتحضرة بما سمح بأن يدين لها بالزعامة أصحاب الحضارة الإيجية السابقة للحضارة الإغريقية الكلاسيكية”  (مسائل في مصادر التاريخ الليبي قبل هيرودوت، ليبيا في التاريخ : بنغازي، 1968 .ص 68)، ويرجع شار أندري جوليان أصول هؤلاء اللوبيين الامازيغ الى الاطلس في المغرب حاليا بسبب أسماء قوادهم المتشابهة بأمازيغ النوميد الذي ذكروا في تاريخ المألوف (A.moret) . ص 72 ، كل هذه الهجمات المتكررة على مصر من طرف الأمازيغي لا يختلف فيها المصريين إلا لما يتعلق الامر في سيطرة الامازيغ على حكم مصر تراهم يرفضون فكرة الاستلاء والانهزام ويفضلون الانتقال السلمي للحكم الى لأمازيغ ؟

الاشكالية الثانية في التقليد الفلاحي المتجذر عن الشعب الأمازيغي والمتمثل في الاحتفال ب12 أو 13 أو 14 جانفي ،حسب المناطق الامازيغية ، من كل سنة بمظاهر ثقافية مميزة تتمثل أغلبها في طبخ أطباق غذائية أو إحتفلات فلكلورية مثل ما يقوم به أمازيغ أث سنوس يتلمسان تيمنا بسنة بحصاد فلاحي وفير إلا أن هناك أسطورة تاريخة يرددها البعض بأنها هذا الاحتفال له علاقة بإنتصار الملك شيشونق في مصر ، بينما يكذب أنصار التيار العروبي هذا الاعتقاد ويقولون أن الحركة الامازيغية التي يسمونها البربريست هم من ربط الاحتفال والتقليد الثقافي الفلاحي بتاريخ شيشونق ، وأن الاشهر الفلاحية الامازيغية ما هي إلا إقتباسات من التقويم الجولياني الروماني ودليلهم على ذلك هو تشابه أسماء الشهور لدى الامازيغ والرومان اللاتين ، والسؤال المطروح هنا هل يكفي هذا لمنع الامازيغ من وضع تقويم خاص بهم ؟

بعيدا عن صحة أو عدم صحة الاسطورة المتداولة لدى البعض أقول أن الحركة الامازيغية وعلى رأسها المناضل عمار نقادي أراد وضع تقويم خاص للأمازيغ فقام بربط التقويم الفلاحي المتجذر عند الامازيغ بسنة تاريخية قديمة ولم يجد أفضل وأقدم من تاريخ إعتلاء شيشونق للحكم في مصر سنة 950 ق.م كنقطة بداية فأختار ذلك الحدث كبداية للتقويم الامازيغ مثل إختيار العرب المسلمين سنة هجرة الرسول (ص) الى المدينة بداية للتقويم الهجري ومولد النبي عيسى عليه السلام بداية بداية للتقويم المسيحي ، فما يمنع الامازيغ وضع تقويم خاص بهم كذلك وإختير تاريخ شيوشنق المذكور في التورات والانجيل بداية لهذا التقويم ، لنكون اليوم في سنة 2967 ولو تم إختيار تاريخ أول هجمة أمازيغية على مصر والمدونة في  لوحة "نارمير " بتاريخ 3300 سنة ق.م لكان تقويم الامازيغ اليوم 5317 سنة .

أما بخصوص إدعاء أن التقويم الاشهر الفلاحية الامازيغية هي ذات مصدر روماني فهو إعتقاد يصعب إثباته بالمقاربة اللغوية فقط بسبب الاحتكاك والتلاقح الثقافي لشعوب حوض البحر الابيض المتوسط فحتى الاغريق والرومان كانوا متأثرين بالثقافة الأمازيغية خاصة الميثولوجية الدينية منها فهيرودوت نفسه ينسب الربة تانيث التي عبدها الاغريق الى الامازيغ وكذلك الاله بوسيدون وأطلس وغيره كما كان الامازيغ هم من لقن الرومان مسيحية التثليث على يد سانت أوغستين فما يمنعنا في غياب الدليل القاطع أن نقول أن الرومان هم أخذ التقويم الجولياني من الامازيغ ؟ وفي حالة  العكس فأين الاشكال في إعتماده ما دم هذا التقليد قد تجذر في ثقافة الامازيغ من ليبيا حتى المغرب ؟

إذا كان المانع في كونه وثني يعود الى حقبة "الجاهلية " كما يدعي البعض فالحج والأشهر الحرام في الاسلام أيضا كانت عادة جاهلية أبقى عليها الاسلام لأنها لا تتعارض مع جوهره ،وإذا كانت مجرد إديولوجية ضيقة تريد تقزيم الأمة الأمازيغية ووصفها بالعدمية في التاريخ وأنهم كانوا مجرد همج دون حضارة قبل أن يعلمهم الأمويين الغزاة النظافة والحضارة .. لجعلها مجرد إلكترون تابع للنواة العروبية في المشرق ، فلأمازيغ كل الحق بلاستقلال عن المشرق والغرب لتأسيس أمتهم الأمازيغية القائمة بذاتها مثل ما هو الحال للفرس والترك وغيرهم ، وكيف لا ونحن نقرأ في كتاب أبو التاريخ، اليوناني هيرودوت يقول أن الأمازيغ أكثر صحة من المصريين الذين أبهرو العالم بحضارتهم في قوله : “مراعاة لصحتهم (يتحدث عن الفراعنة) يتناولون ثلاثة أيام متتالية من كل شهر مقيئات، وحقن شرجية، إذ يعتقدون أن جميع الأمراض تصيب الناس من الأطعمة التي نتغذى بها، وهم ، حتى بغير ذلك، أصح الناس عامة بعد الليبيين.”  (هرودوت يتحدث عن مصر، ترجمة محمد صقر خفاجة،1966 ، ص 182  )
والصحة تأتي من الاعتناء بها والنظافة والتغذية الجيدة وهي من آيات التحضر  ، ويضيف هيرودوت حول إعتناء الامازيغ بصحتهم ويقول: “والناس هنا يختلفون عن سواهم في نمط الحياة عموما كما في نهجهم في معاملة الأطفال، فهناك الكثير من البدو- ولست أقول كلهم- يعمدون إلى كي عروق الرأس والصدغين أحيانا، حين يبلغ الطفل الرابعة من العمر، بوضع قطعة من الصوف مدهونة بالشحم على المنطقة التي يراد كي العروق فيها، فيكون ذلك تحصينا له من الزكام . ولذلك تجد أطفال هؤلاء القوم أسلم الناس في العالم صحة، أو أنهم، وهذا حق، أفضل صحة من أي عرق آخر عرفته، وإن كنت غير واثق من أن هذا هو السبب في سلامة صحتهم. أما أنهم يتمتعون بصحة ممتازة فحقيقة ثابتة مؤكدة.” (نفس المرجع .ص 366)

وهذا قبل أن يظهر العرب الى التاريخ فكيف يكونوا هم من علموا الامازيغ الحضارة ؟ وما يمنعهم من وضع أسس الاستقلال لتاريخهم الوطني الذي طمسه الاستعمار الفرنسي وكذلك أقلام مؤرخي العرب ؟
مصطفىصامت
....
بخصوص توضيفنا لمصطلح الامازيغ مكان الليبيين أو اللوبيين راجعوا هذا المقال : http://cutt.us/rkQRt
الصورة :من قبر ستي الأول رسم عليه الشعوب التي إحتك بها المصريين من سريان ونوبيين وأكوشيين وأمازيغ المشار اليه بصاحب الريشة على رأسه

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مختصر تفسير الحزب الأول... سورة البقرة الجزء الأول

الجزء الأول من القران: هذا الجزء مكون من ثمانية أرباع: - ربع الحزب الأول: يتكلم عن أصناف الناس وكأننا نستعرض الأصناف الموجودة على هذه الأرض والتي سيكلف أحدها بالإستخلاف. - الربع الثاني: أول تجربة إستخلاف على الأرض: آدم عليه السلام. - الربع الثالث إلى السابع: أمة استخلفها الله على هذه الأرض لمدة طويلة وفشلت في المهمة، بنو إسرائيل.  - الربع الثامن والأخير: تجربة سيدنا إبراهيم عليه السلام الناجحة في الإستخلاف.  تجربة سيدنا آدم تجربة تمهيدية تعليمية، وكانت المواجهة بين إبليس وسيدنا آدم عليه السلام لإعلان بداية مسؤولية سيدنا آدم وذريته عن الأرض. ثم بنو إسرائيل: نموذج فاشل، فهم أناس حملوا المسؤولية وفشلوا، وتستمر السورة في ذكر أخطائهم لا لشتمهم ولكن ليقال للأمة التي ستستخلف: تنبهي من الوقوع في الأخطاء التي وقعت فيها الأمة التي قد سبقت في الاستخلاف! وآخر ربع يضرب الله به المثل بالتجربة الناجحة لشخص جعله الله خليفة في الأرض وهو سيدنا إبراهيم عليه السلام. ويكون الترتيب هذا منطقياً، فبدأَ بآدم التجربة الأولى وختم بالتجربة الناجحة لرفع المعنويات وبينهم التجربة الفاشلة، للت
"ميسرة المطغريّ" (أو المدغريّ) بطلٌ أمازيغيٌّ، رفض الانصياع للعرب الفاتحين، ما جعلهم يصفونه في كتب تاريخهم بالحقير، والخفير، والفقير، والسقّاء. ولربّما ترجع هذه الألقاب إلى كون "ميسرة" ينحدر من عائلةٍ فقيرةٍ، وأنّ أباه، أو هو نفسه كان سقّاءً يبيع الماء في الأسواق (E. L?vi-Proven?al). وقد أجمع أكثر المؤرّخين (العرب طبعاً) على تلقيب ميسرة بـ "الحقير"، على الرغم من أنّه لم يكن في حياته حقيراً؛ فقد كان ـ كما يقول ابن خلدون ـ شيخ قبيلته والمقدّم فيها؛ وكان من خوارج المغرب الصفريّة، من مدغرة أو (مطغرة)، وهي بطنٌ من زناتة. كما كان من أتباع المهلّب بن أبي صفرة (أو من أتباع زياد بن أبي صفرة). وفي العودة إلى الوقائع التاريخيّة، نجد أنّ الظلم الأمويّ كان من الأسباب المهمّة في بحث المسلمين عموماً عن أفكارٍ ثوريّةٍ تُشرّع لهم مواجهة الظّلم والتعصّب القوميّ والقبائليّ، وهو ما تُظهره تجربة البربر في الغرب، حين مالوا إلى الفكر الخارجيّ، بعد معاناةٍ طويلةٍ مع السلطة الأمويّة، وبعد الإجحاف الذي طالهم، إثر دورهم الرئيسيّ في فتح الأندلس، وفي تثبيت