ما هي الحياة الطيبة؟ يجيب أرسطو عن هذا السؤال ببساطة وصراحة فيقول إنها الحياة السعيدة . وهو لا يريد أن يبحث، كما بحث أفلاطون كيف يجعل الناس أخياراً، بل يريد أن يبحث كيف يجعلهم سعداء . وهو يرى أن غير السعادة من الأغراض لا يسعى إليها لذاتها، بل هي وسيلة لغاية . أما السعادة فهي وحدها التي تُبْتغى لذاتها، وثمّة بعض أشياء لابد منها للحصول على السعادة الباقية وهي: المولد الطيب والصحة الجيدة، والوجه الجميل، والحظ الطيب، والسمعة الحسنة، والأصدقاء الأوفياء، والمال الوفير والصلاح . وينقل أرسطو بصراحة يندر وجودها في الفلاسفة جواب سمنيدس لزوجة هيرن إذ سألته: أيهما أفضل الحكمة أو الغنى؟ فقال: الغنى، لأننا نرى الحكماء يقضون أوقاتهم على أبواب الأغنياء، لكن الثروة وسيلة لا أكثر، فهي في حد ذاتها لا ترضي غير البخيل، وإذ كانت الثروة نسبية فإنها لا ترضي إنساناً زمناً طويلاً، وسر السعادة هو العمل أي بذل الجهد بطريقة تتفق مع طبيعة الإنسان وظروفه . والفضيلة حكمة عملية، وهي تقدير الإنسان بعقله لما فيه من خير، وهي في العادة وسط بين نقيضين، والإنسان في حاجة إلى الذكاء لمعرفة هذا الوسط، وإلى ضبط النفس .
ويقول أرسطو في جملة من جمله الشهيرة: إن الذي يغضب مما وممن ينبغي أن يُغْضَبَ منه، ويغضب فوق ذلك بالطريقة الحقّة وفي الوقت المناسب للغضب، ويطول غضبه الزمن الملائم، إن هذا الرجل خليق بالثناء . وليست الفضيلة عملاً بل هي تعوّد عمل الصواب، ولابد أن تُفْرَض في أول الأمر بالتدريب والتهذيب، لأن الشباب لا يستطيعون أن يحكموا في مثل هذه الأمور حكماً صادقاً حكيماً، فإذا مضى بعض الوقت فإن ما كان من قبل نتيجة الإرغام يصبح عادة أي طبيعة ثانية .
ويختم أرسطو هذا البحث عن السعادة خاتمة تناقض أشد التناقض ما بدأه به، وهو قوله إن السعادة في العمل، وإن أحسن حياة هي حياة الفكر . ذلك أن الفكر في رأيه هو الدليل على ما انفرد به الإنسان من تفوّق وامتياز، وأن العمل الخليق بالإنسان هو أن تعمل نفسُهُ بالاتفاق مع عقله . وأسعد الناس حظاً هو الذي يجمع بين قدر من الرخاء وقدر من العلم، أو البحث أو التفكير، والذين يرغبون في اللذة المستقلة يجب أن يطلبوها في الفلسفة لأن غيرها من اللذات يحتاج إلى معونة الإنسان . ويقول أرسطو محاولاً إيضاح فلسفته هنا: لنفرض أن شخصاً يريد أن يتعلم رمي السهام فماذا عليه أن يفعل لتحقيق ذلك؟
1- تثبيت مرمى ليكون هدفاً . 2- وقوفه في موضع أمام الهدف يسمح له بالتصويب، . وهو يقصد أن كل شخص في ما يتعلق بحياته كالرامي أمام المرمى لكنه يرمي إلى ما يراه خيراً له، غير أن هذا الخير لا يمكن إصابته، إذ جهلنا الطرق التي تسمح بالوصول إليه، ومن هنا تتحد غاية الأخلاق فهي لا تعدو كونها إنارة لنا في ما يتعلق بما نريده، وكل الناس، كما يرى أرسطو، متفقون أن الخير هو السعادة . يقول أرسطو: بعض الناس يرى أن السعادة هي في الحياة الحيوانية وذلك هو رأي العبيد ولا يجب أن نُعيره أيّ اهتمام . ويقول: هؤلاء العامة من بني البشر الذين عندما وصلوا إلى القوة والتعظيم استعبدتهم الشهوات كما استعبدت الشهوات سردنبال (شخصية إغريقية يضرب بها المثل في الفجور) .
ويستكمل أرسطو قائلاً: بعض الناس يرى السعادة في الثراء غير أنهم مخطئون، لأن الثراء لا يُطْلب لذاته وإنما لما يحققه، وبعض الناس يرى السعادة في المجد لكن المجد ليس رهن إرادتنا ومع ذلك فإن هؤلاء الذين نالوا المجد هم أحياناً بؤساء . كم من المشاهير يشعرون بآلام مما لا طاقة لهم بها . وبعض الناس يرى أن السعادة هي اللذة وأقول لهم إن الإنسان يرغب في العلم مع اللذة أكثر مما يرغب في اللذة وحدها، إذ إن اللذة ليست هي الخير الوحيد . ثم يقول: لا شك في أن السعادة تستلزم نوعاً من النشاط، إذ لا يمكن أن يكون الإنسان في سبات ويكون سعيداً، فبدون نوع خاص من العمل لا وجود للسعادة، ولكن، ما هو النوع الخاص من العمل؟ هنا يظهر جوهر الفلسفة الأرسطية . . فكرة المهنة أو الوظيفة: الموسيقي . . النحات . . صانع الأحذية . . النجار . . كل واحد منهم إما أن يحسن عمله وإما أن يسيء إليه، فإن أحسن، كما يقول أرسطو، استحق التوفيق . وداخل الإنسان نفسه أيضاً العين . . اليد . . القدم . . لكل منها وظيفة . ثم يستنتج من هذا السؤال الآتي: هل للإنسان بصفته إنساناً وظيفة خاصة به؟ إذا كان للإنسان وظيفة خاصة به فإنه تبعاً لطريقة تأديتها يكون محسناً أو مسيئاً ويحقق أو لا يحقق جوهره الذاتي . . إن الحياة عند كل إنسان تتمثل في صورتين: حياة نباتية وحيوانية، وحياة عقلية . أما الأولى فهي الأكل والشرب وكل مستلزمات بقاء الإنسان على قيد الحياة والمحافظة على نوعه . أما الثانية فكما يصورها أرسطو هي حياة التأمل أو الحياة الذهنية، وهي التي تجعل الإنسان مختلفاً عن بقية الكائنات، وبالتالي فإن أرسطو يدعونا إلى أن نحيا حياة العقل لأن بها وحدها تنهض الأمم .
تعليقات
إرسال تعليق