التخطي إلى المحتوى الرئيسي

هل يدخل النصارى الجنة

وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْه) فهو نصٌّ بيّن في أنّ من لم يدخل في دين الإسلام فلا يُقبل منه عملٌ، وقد ذكر الله عز وجل انتفاء قبول العمل عن أهل الكفر في قوله: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ) وفي قوله تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا).

وقال تعالى موضّحًا اشتراط الإسلام لقبول العمل: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) فقوله تعالى: (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) يُبيّن اشتراطَ الإسلامٍ لقبول العمل، بعد كونه عملاً صالحًا.

- وأمّا القول إنّ كلّ من آمن برسالة سابقة يدخل الجنّة وإن كان من غير المسلمين، أي: وإن كان يهوديًّا أو نصرانيًّا لا يُقرّ بنبوّة سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، فهو قولٌ مجافٍ للصواب، من وجوه:

أوّلها: أنّ الله تعالى وصف غير المسلمين بأنّهم كافرون، وذلك كما قال في حقِّ النصارى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ)، وقال سبحانه: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ)، فمن نسبهم إلى الإيمان فهو مخطيءٌ لا ريب.

ثانيها: أنّ الله تعالى رتّب على طاعتهم كفرَ من يُطيعُهُم، فقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ)

ثالثها: أنّ اعتقاد صحّة معتقدهم يؤدّي إلى الكفر، والعياذ بالله تعالى، لترتّب اعتقد نقصِ الإسلام ونقص الرسالة على هذا الاعتقاد، وهو ما يُعارض قوله تعالى: (اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً)، ويُخالف اعتقاد المسلم في أنّ (الدين عند الله الإسلام).

رابعها: أنّ الرسالات السابقة جميعها محرّفة بإقرار أصحابها وتعديلهم لطبعات إنجيلهم وتنقيحها، بخلاف القرءان الكريم الذي نُقل إلينا بالتواتر وأحاديث النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم التي نُقلت إلينا بنقل العدول الضابطين ممّا حقّق تفرّدًا لهذه الرسالة الخاتمة ليست لغيرها من الرسالات.

خامسها: نصُّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم على وجوب إيمان الناس جميعًا به، وذلك أنّ الله تعالى أرسله إلى الناس كافّة كما قال تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً). فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم فيما يرويه الإمام مسلم: (لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بالذي جئت به إلا دخل النار). وقال عليه وآله الصلاة والسلام في الحديث المتّفق عليه: (لو كان أخي موسى حيًّا ما وسعه إلاّ اتّباعي).

- فهل يُقال بعد هذا إنّ النصرانيّ أو اليهوديّ قد يدخل الجنّة؟

الجواب: نعم.

وذلك في إحدى صورتين:

الأولى: أنْ لا يسمع بالإسلام قطّ، وهذا محتملٌ في بعض دول العالم النائية، أو في بعض الظروف العالميّة، مثل بعض مناطق الإتحاد السوفييتي سابقًا. وهو نادرٌ عمومًا. فإنّ من لم تبلغه الدعوة لا يكون من أهل النار على الصحيح من أقوال أهل العلم؛ استدلالاً بقوله تعالى: (وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولاً)، وقوله: (رُسُلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ)، فكأنّه يكون للناس حجّة قبل الرسل، ومن يُبلّغ الدعوة يقوم مقام الرسل، وذلك لانقطاع الرسل بعد النبيّ الخاتم صلّى الله عليه وآله وسلّم، وفي هذا المعنى يقول النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم في المتّفق عليه: (ولا أحد أحبّ إليه العذر من الله، ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين، ولا أحد أحبّ إليه الْمِدْحة من الله، ومن أجل ذلك وَعَدَ الله الجنة).

الثانية: أنّ يسمعَ بالإسلام بصورة مغلوطة، فيرى فيه دينَ عنفٍ، ودينَ إرهابٍ، وفي هذه الحالة أمرُهُ موكولٌ إلى الله تعالى؛ فإن تحرّى وبحث عن حقيقة الإسلام فلم يصل إلاّ إلى هذه المعلومات حول الإسلام فإنّا نرجو أن لا يُسألَ يومَ القيامة عن سبب عدم اعتناقه دينًا إرهابيًّا، ونرجو ألاّ يُعذّبه الله تعالى لعدم دخوله في الإسلام، ونرجو الله ألاّ يعذّبنا لتقصيرنا في تبليغ دعوة الإسلام الصحيحة الصافية إليه. وإن لم يتحرّ ولم يسأل عن الإسلام واكتفى بالمعلومة المغلوطة التي وصلته فإنّه يؤاخذُ لعدم تحرّيه، والله تعالى أعلم.

أمّا من سمع عن الإسلام وعرف أنّه دينُ حقٍّ –وهذا حال غالب من يسمع بالإسلام- فإنّه لا يُمكن أن يكون من أهل الجنّة مطلقًا. والله تعالى أعلم

على أنّ من العلماء من قال يؤاخذ على كلّ حالٍ لتعريفه الحقّ بالإشهاد الأوّل: (وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم؟ قالوا: بلى، شهدنا، أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين)؛ فإنّه وإن عُرِضَ عليه الإسلام مغلوطًا لا يقبلُهُ عقلُه على هذه الصورة، بل يعلم بدواخل أفكاره أنّ الإسلام دينٌ حقٌّ لذلك الإشهاد الأوّل الذي ذكرنا.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مختصر تفسير الحزب الأول... سورة البقرة الجزء الأول

الجزء الأول من القران: هذا الجزء مكون من ثمانية أرباع: - ربع الحزب الأول: يتكلم عن أصناف الناس وكأننا نستعرض الأصناف الموجودة على هذه الأرض والتي سيكلف أحدها بالإستخلاف. - الربع الثاني: أول تجربة إستخلاف على الأرض: آدم عليه السلام. - الربع الثالث إلى السابع: أمة استخلفها الله على هذه الأرض لمدة طويلة وفشلت في المهمة، بنو إسرائيل.  - الربع الثامن والأخير: تجربة سيدنا إبراهيم عليه السلام الناجحة في الإستخلاف.  تجربة سيدنا آدم تجربة تمهيدية تعليمية، وكانت المواجهة بين إبليس وسيدنا آدم عليه السلام لإعلان بداية مسؤولية سيدنا آدم وذريته عن الأرض. ثم بنو إسرائيل: نموذج فاشل، فهم أناس حملوا المسؤولية وفشلوا، وتستمر السورة في ذكر أخطائهم لا لشتمهم ولكن ليقال للأمة التي ستستخلف: تنبهي من الوقوع في الأخطاء التي وقعت فيها الأمة التي قد سبقت في الاستخلاف! وآخر ربع يضرب الله به المثل بالتجربة الناجحة لشخص جعله الله خليفة في الأرض وهو سيدنا إبراهيم عليه السلام. ويكون الترتيب هذا منطقياً، فبدأَ بآدم التجربة الأولى وختم بالتجربة الناجحة لرفع المعنويات وبينهم التجربة الفاشلة، للت
"ميسرة المطغريّ" (أو المدغريّ) بطلٌ أمازيغيٌّ، رفض الانصياع للعرب الفاتحين، ما جعلهم يصفونه في كتب تاريخهم بالحقير، والخفير، والفقير، والسقّاء. ولربّما ترجع هذه الألقاب إلى كون "ميسرة" ينحدر من عائلةٍ فقيرةٍ، وأنّ أباه، أو هو نفسه كان سقّاءً يبيع الماء في الأسواق (E. L?vi-Proven?al). وقد أجمع أكثر المؤرّخين (العرب طبعاً) على تلقيب ميسرة بـ "الحقير"، على الرغم من أنّه لم يكن في حياته حقيراً؛ فقد كان ـ كما يقول ابن خلدون ـ شيخ قبيلته والمقدّم فيها؛ وكان من خوارج المغرب الصفريّة، من مدغرة أو (مطغرة)، وهي بطنٌ من زناتة. كما كان من أتباع المهلّب بن أبي صفرة (أو من أتباع زياد بن أبي صفرة). وفي العودة إلى الوقائع التاريخيّة، نجد أنّ الظلم الأمويّ كان من الأسباب المهمّة في بحث المسلمين عموماً عن أفكارٍ ثوريّةٍ تُشرّع لهم مواجهة الظّلم والتعصّب القوميّ والقبائليّ، وهو ما تُظهره تجربة البربر في الغرب، حين مالوا إلى الفكر الخارجيّ، بعد معاناةٍ طويلةٍ مع السلطة الأمويّة، وبعد الإجحاف الذي طالهم، إثر دورهم الرئيسيّ في فتح الأندلس، وفي تثبيت