التخطي إلى المحتوى الرئيسي
لأن الإيمان بالله رائج هذه الأيام، تماما مثل امتلاك الجميع لهاتف أو حساب على الفيسبوك، فإن عدم إيمان الإنسان بالله أصبح حالة تدعو البعض إلى التساؤل، فلماذا لا يؤمن البعض بوجود الله؟ هذا السؤال يتكرر كثيرًا؛ لهذا قرّرتُ الإجابةَ عليهِ اليوم.
بالمقارنة بين الله والفيسبوك أو الهواتف، فإنّ أغلب الملحدين اليوم كانوا يومًا ما في السابق يؤمنون حقيقةً بوجود الله، بل إنّ الغالبية العظمى من الملحدين الذّين أعرفهم اليوم، كانوا من المؤمنين المتدينين جدًا ومن بينهم رجال دين متعمقين بأصول الدين؛ أي أنَّ تركهم الاعتقاد بالله ناتج بشكل مباشر لإدراكهم عدم جدوى الإيمان بهِ وعدم فائدة التعّبد لهُ، تمامًا كما لو أنكَ كنتَ تملكُ هاتًفًا قديمًا جدًا، ومع ظهور الهواتف الذكية وإدراكك لمحدودية ما يفعلهُ هاتفك القديم، أدركت بأنهُ لا فائدة من الاحتفاظ بهِ، وقررت التخلص منه، وبهذه الطريقة، عندما اكتشف المؤمن درجة محدودية الله، إن وجد، قرر التخّلص منه.
 من ناحيةٍ أخرى، فإنَّ التوّقف عن الإيمان بالله لا يأتي بين ليلةٍ وضحاها؛ أي الإنسان المؤمن لا ينام مؤمنًا ويستيقظ ملحدًا، بل إنّ هناك طيًفًا واسعًا من التحّولات الفكرية والتي قد تنتهي بعودة الفرد إلى إيمان أعمى بوجود الله، أو- في أفضل الحالات – إلى معرفة الحقيقة واختيار الحياة خارج نطاق المعتقدات التي توارثها عن أجداده، وهذا التحول البطيء في المفاهيم يتناسب طردياً مع درجة النضوج الفكري لكِّلّ فرد؛ لذلك ترى في المجتمعات المتحضّرة بأنّ الغالبية العظمى من أفرادها قد تركوا ذلك الصراع الفكري العنيف ورائهم منذ فترة المراهقة، بينما في المجتمعات المتدينة فإنّ ذلك الصراع الفكري قد يستمرُّ إلى عمرٍ متأخرٍ بعضَ الأحيان، لكن في أغلب الأحوال فإنه يكون محسومًا قبل بلوغ الإنسان سن الثلاثين من العمر، وحينها تتضح حقيقة الأشياءِ للإنسان، ويدرك فيما لو كان الموروث الديني حقيقةً تاريخيةً قائمةً، أم باطٌلٌ قديمٌ كان الهدف منهُ السيطرة على الإنسان.
 بالطبع، هناك – حتى يومنا هذا – المليارات من البشر المؤمنين بوجود الآلهة والجن والشياطين والكائنات الخرافية المختلفة، ولَِ يفهم المؤمن بهذه الأشياء سبب رفض الملحد الإيمان بالإله الذي وُلدَ فوجد نفسهُ مؤمنًا بهِ بالذّات، توجبَ عليه أنْ يسألَ نفسهُ بعض الأسئلة، ويبحث عن جواب صريح، ومن هذه الأسئلة التي دفعتني شخصيًا للتوقف عن الإيمان بالله:
لو كنتُ ولدتُ على دين آخر، مثل الهندوسية، كيف كنتُ سأنظر للإسلام أو المسيحية أو اليهودية؟
لو كنتُ ولدتُ في السويد لعائلةٍ تعبدُ إله الشمال “اودان” أو في الهند لعائلةٍ تعبدُ الإله الهندي “شيفا”، فهل كنتُ لأتركَ عبادتهم وأتجّه للأديان الإبراهيمية التي تعبد الله؟ لماذا؟
لو مِتُّ اليومَ واستيقظت بعد الموت فرأيت بأنَّ عبادة “كريشنا” هي الحق، فماذا سأفعل؟
 هذه الأسئلة وغيرها ساعدتني وتساعد الإنسان المؤمن على إدراك فيما لو كان ما يؤمن بهِ حقيقةً مطلقةً، أم أنهُ مجرد صُدفةٍ كونيةٍ سببها ولادتهُ في زمنٍ معٍينٍ لعائلة تؤمن بدينٍ معٍينٍ وتعبدُ إلهًا معينًا، وسبب استمراره على الإيمان بهذه الأشياء هو الخوف فقط، ولا شيءَ غيره؛ الخوفُ من ردة فعل المجتمع أو العائلة، الخوف من الحياة، الخوف من الموت وإلى آخره من مسببات الخوف، وعندما تؤمنُ بشيء لأنك خائفٌ، فتأكد بأنك على باطل، لأن الحقيقةَ لا تحتاجُ للخوف كي تصَدقْ.
 خِتامًا، فإنَّ غياب أي دليلٍ على وجود أي إلهٍ مقارنةً بوجود الملايين من الأسباب على خطر الإيمان الأعمى بأشياءٍ لا دليل عليها، إّنمّا هو سبب رئيسيٌ لتركِ الإنسانِ السّويِّ الإيمان بالله، كما أنّ نفسَ الأسبابِ التي تمنع المؤمن من الأيمان بكل الأديانِ والآلهة الأخرى، هي ذاتها ما تمنعُ الملحدَ من الإيمان بكل الأديان والآلهة على حد سواء.
 إضافةً إلى ما تقدّمَ، فإنَ الحالة البائسة التّي تنتهي لها حياة المؤمن من ضعفٍ وذلٍّ وتحقيرٍ للذات أمام الله في طقوس متكررة لا فائدَةَ حقيقيةَ منها، هي ما تدفعُ الإنسانَ السوي لرفضِ هذا الٍتحّقير المتواصل، كما تدفعُ الإنسانَ نحو الانطلاقِ حُراًّ مِن سلاسل الآلهة الوهمية من أجلِ تطوير الذات في عالمٍ واسع لفعلِ الخيرِ والعيشِ حياًةً كريمةً مع بقيةِ البشرِ سواسيةً، بدون كل طقوس الذّل الديني المتواصل؛ وحينها، عندما نرى إنساناً سوياً يمارس طقوسَ سجودٍ وركوعٍ وذلٍّ مُتواصلٍ، نستطيعُ أنْ نسألَ – بِكلِ صراحةٍ – ذلكَ الإنسانَ المسكين، لماذا تؤُمن بالله؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مختصر تفسير الحزب الأول... سورة البقرة الجزء الأول

الجزء الأول من القران: هذا الجزء مكون من ثمانية أرباع: - ربع الحزب الأول: يتكلم عن أصناف الناس وكأننا نستعرض الأصناف الموجودة على هذه الأرض والتي سيكلف أحدها بالإستخلاف. - الربع الثاني: أول تجربة إستخلاف على الأرض: آدم عليه السلام. - الربع الثالث إلى السابع: أمة استخلفها الله على هذه الأرض لمدة طويلة وفشلت في المهمة، بنو إسرائيل.  - الربع الثامن والأخير: تجربة سيدنا إبراهيم عليه السلام الناجحة في الإستخلاف.  تجربة سيدنا آدم تجربة تمهيدية تعليمية، وكانت المواجهة بين إبليس وسيدنا آدم عليه السلام لإعلان بداية مسؤولية سيدنا آدم وذريته عن الأرض. ثم بنو إسرائيل: نموذج فاشل، فهم أناس حملوا المسؤولية وفشلوا، وتستمر السورة في ذكر أخطائهم لا لشتمهم ولكن ليقال للأمة التي ستستخلف: تنبهي من الوقوع في الأخطاء التي وقعت فيها الأمة التي قد سبقت في الاستخلاف! وآخر ربع يضرب الله به المثل بالتجربة الناجحة لشخص جعله الله خليفة في الأرض وهو سيدنا إبراهيم عليه السلام. ويكون الترتيب هذا منطقياً، فبدأَ بآدم التجربة الأولى وختم بالتجربة الناجحة لرفع المعنويات وبينهم التجربة الفاشلة، للت
"ميسرة المطغريّ" (أو المدغريّ) بطلٌ أمازيغيٌّ، رفض الانصياع للعرب الفاتحين، ما جعلهم يصفونه في كتب تاريخهم بالحقير، والخفير، والفقير، والسقّاء. ولربّما ترجع هذه الألقاب إلى كون "ميسرة" ينحدر من عائلةٍ فقيرةٍ، وأنّ أباه، أو هو نفسه كان سقّاءً يبيع الماء في الأسواق (E. L?vi-Proven?al). وقد أجمع أكثر المؤرّخين (العرب طبعاً) على تلقيب ميسرة بـ "الحقير"، على الرغم من أنّه لم يكن في حياته حقيراً؛ فقد كان ـ كما يقول ابن خلدون ـ شيخ قبيلته والمقدّم فيها؛ وكان من خوارج المغرب الصفريّة، من مدغرة أو (مطغرة)، وهي بطنٌ من زناتة. كما كان من أتباع المهلّب بن أبي صفرة (أو من أتباع زياد بن أبي صفرة). وفي العودة إلى الوقائع التاريخيّة، نجد أنّ الظلم الأمويّ كان من الأسباب المهمّة في بحث المسلمين عموماً عن أفكارٍ ثوريّةٍ تُشرّع لهم مواجهة الظّلم والتعصّب القوميّ والقبائليّ، وهو ما تُظهره تجربة البربر في الغرب، حين مالوا إلى الفكر الخارجيّ، بعد معاناةٍ طويلةٍ مع السلطة الأمويّة، وبعد الإجحاف الذي طالهم، إثر دورهم الرئيسيّ في فتح الأندلس، وفي تثبيت