الجيش الإسلامي في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطابالقدس من الإمبراطورية البيزنطية، للمرة الأولى عام 637 ميلاديًا، واستمرت المدينة تحت حكم المسلمين حتى استولى عليها الصلبيون عام 1099 ميلادية، وحكموها لمدة 91 عامًا، حتى ظهر القائد صلاح الدين الأيوبي، وحررها للمرة الثانية بعد عمر بن الخطاب، في معركة حطين مع الصليبيين، عام 1181، لكن لم تستمر المدينة محررة إلا عدة أعوام حتى تنازل عنها الملك الكامل، أحد أبناء الملك العادل الأيوبي، حاكم مصر، إلى «الفرنجة» مرة آخرى.
ويقول دكتور خليل عثامنة، المؤرخ الإسلامي الفلسطيني وأستاذ التاريخ بجامعة «بير زيت» الفلسطينية، في كتابه «فلسطين في العهدين الأيوبي والمملوكي»: «إذا كان تنافس أبناء صلاح الدين في شأن المُلك دفعهم للبحث عن مهادنة الفرنجة في فلسطين، وأدى أحياناً إلى محاولة الاستعانة بهم للتصدي بعضهم لبعض، فإن الأمر بلغ ذروة غير مسبوقة في عهد الملوك من أبناء الملك العادل الأيوبي، إذ لم تقتصر علاقتهم بالفرنجة الجاثمين على أرض فلسطين ولبنان وسوريا على المسالمة والمهادنة فحسب، بل تعدت ذلك أيضاً إلى التخلي عن فريضة الجهاد ضد الأوروبيين الغزاة، والتي لولاها لما وضعوا التيجان على رؤوسهم وتربعوا على عروش مصر وبلاد الشام، إذ بات أبناء الملك العادل وورثة عرشه يرون في الفرنجة قوة سياسية إقليمية لا يتورعون عن مهادنتها والتحالف معها مقابل تنازلات إقليمية من دار الإسلام، إما ثمناً للحفاظ على عروشهم وكراسيهم، وإما تعززاً بهم لتصفية الحسابات الصغيرة فيما بينهم، وإما لتحقيق مطامح إقليمية في دول بعضهم البعض».
ويضيف «عثمانة» في كتابه: «صحيح أن الملك الكامل، سلطان مصر هو الذي أبرم صفقة التنازل عن مدينة القدس مع الإمبراطور (فردريك الثاني)، إمبراطور الدولة الرومانية، 626ﻫ/1229م، إلا أن انفراده بهذا القرار لم يكن لينفي التهمة ذاتها عن باقي إخوته ملوك الشام، لأنهم كانوا على استعداد لاقتراف الجُرم نفسه فرادى أو مجتمعين قبل أن يقدم أخوهم على فعلته، فقبل ثمانية أعوام من ذلك التاريخ، وفي 618ﻫ/1221م، حين استولى الفرنجة على مدينة دمياط المصرية وبعد حصارهم المنصورة، وحين أخذوا يتحفزون للانقضاض على مدينة القاهرة وباقي البلاد المصرية، تبادلت الرسائل بين الملوك الأيوبيين والفرنجة، وكان مع (الكامل) آنذاك أخواه الملك المعظم (عيسى)، ملك الشام، والملك الأشرف (موسى)، ملك دمشق، وعرضوا على الفرنجة الجلاء عن مدينة دمياط، والتخلي عن مهاجمة القاهرة لقاء تنازل الأيوبيين عن مدينة القدس وعسقلان وطبرية وجميع ما حرره السلطان صلاح الدين الأيوبي من أرض الساحل في فلسطين ولبنان، بما في ذلك ميناءي جبلة واللاذقية في سوريا، إلا أن الفرنجة رفضوا هذا العرض واشترطوا تسليمهم أيضاً قلعتي الكرك والشوبك، وبعد أخذ ورد وافق الملوك الأيوبيون على تسليمها أيضًا، لكن المفاوضات لم تتم بشأن هذه الصفقة لأن الفرنجة أضافوا في اللحظة الأخيرة شرطاً جديداً، يقضي بأن يدفع الأيوبيون مبلغ 300،000 دينار مقابل إعادة ترميم أسوار مدينة القدس وأبراجها التي كان الملك المعظم (عيسى) أمر بهدمها تحسباً لسقوط المدينة في أيدي الفرنجة حين شرعوا في الهجوم على دمياط».
تعليقات
إرسال تعليق