التخطي إلى المحتوى الرئيسي

السبي في الإسلام رذيلة منكرة

السبي في الإسلام رذيلة منكرة 
*غزا العرب المسلمون جزيرة قبرص المقابلة لسواحل الشام في عهد الخليفة الراشدي الثالث عثمان بن عفان سنة 28 للهجرة ، عندما كان معاوية واليا على الشام ، وعبد الله بن سعد واليا على مصر ، وكان الخليفة حريصا في وصيته على عدم انتخاب ( اختيار )الناس ولا إجراء القرعة بينهم ، فمن اختار الغزو بإرادته حبا في الجهاد فليُأخذ ، واختار معاوية [عبد الله بن قيس الفزاري] لقيادة الأسطول الإسلامي والتحق به أسطول آخر قادم من مصر بقيادة عبد الله بن سعد أبي سرح. وحققو انتصارا عظيما بانتزاع الجزيرة من البزنطيين، وكان من بين المشاركين في غزوها الصحابي الجليل أبو الدرداء .
** صحابي أقواله من ذهب ..
*أبو الدرداء رضي الله عنه وأرضاه له المكانة العالية والمنزلة المرموقة بين صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وقال النبي الأكرم فيه يوم أحد: "نعم الفارس عويمر" وقال عنه أيضًا: "هو حكيم أمتي ، وكان أحد الأربعة الذين جمعو القرآن ، عالم ، زاهد ، تولى القضاء في دمشق ، يخاف الله كثيرا ، له مواقف وفضائل حميدة مع صحابته ، شجاع لا ينثني أمام الحق ، ففي غزو قبرص تأثر مما رآه من عظيم التفريق بين الأسرى والسبايا ، فبقي مشدوها ، منفردا باكيا ، مستنكرا ما شاهده قائلا ، ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا تركوا أمره .
*[وورد أن أبا الدرداء- رضي الله عنه - لما فتحت قبرص مر بالسبي فجعل يبكي فقال له جبير بن نفير :ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله، وأذل الكفر وأهله؟؟، قال : فضرب منكبي بيده، وقال : ثكلتك أمك ياجبير، ما أهون الخلق على الله إذا تركوا أمره، بينما هي أمة ظاهرة قاهرة للناس لهم الملك، إذا تركوا أمرالله فصاروا إلى ماترى، فسلط الله عليهم السباء، وإذا سلط الله السباء على قوم فليس لهُ فيهم حاجة.]( المصدر : ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ص486.).
**الغزوات .. نفحة جاهلية:
*اعتاد العرب على تسميته الغارات التي يقومون بها بالغزو بمعناه القبلي أو البدوي ،الذي يعني قيام أحد القبائل بالإغارة على قبيلة أخرى ، أو على قافلة في عرض الصحراء ،بدون أي سابق عداوة ، وبدون سابق إنذار، بغرض وحيد وهو السلب ،واستمر الحال أثناء التوسع الإسلامي الذي نسميه بالفتح ، وقد ابتعدوا في ذلك عن جوهر الدين، وحافظ العرب المسلمون على طبائعهم الجاهلية ومارسوها حتى باسم الإسلام ، فهم يعتقدون أن كثرة الأسلاب وما يرافقها من السبي هو عنوان للقوة والمنعة ، و يدل على صلابة لا تقهر لجند العرب المسلمين ، دون الإكتراث إلى ما يتركه ذاك العدوان في نفوس الذين وقع عليهم الإعتداء ، وأنه لا يتطابق ورسالة الإسلام الداعية إلى توصيل العقيدة للأمم الأخرى بالسبل السلمية لا الزجرية العنيفة ، ( ولو كنت فضا غليضا لانفضوا من حولك) .
** العبودية إذلال للإنسانية .
*وكثيرا ا استنكرت في قرارة نفسي ،وأنا أطالع كتب التراث التي تمجد غزو الآخرين و السيطرة عليهم ، وتظهر مدى الإعتزاز بوفرة المغنم وكثرة السبي من الفتيات والغلمان الذين يتم استعبادهم عند هزيمة العدو ، والذين يعدون بالألاف ، يقسمون بين جندالإسلام في حصص ، بعد أن يخصم الخمس لبيت مال المسلمين ، يُساق هؤلاء العبيد قطعانا وسط عويل وبكاء ، ويفصل بين البنين و البنات ، وتوزع الأسهم على الجند ، وأثناء التوزيع قد تشتت الأسرة ، فيذهب الأخ ناحية ، والأخت ناحية أخرى ، ويكثر البكاء والعويل بين الأسرى ، سهم الجند من السبي يضطر إلى بيعه غالبا في سوق النخاسة ليحوله إلى دنانير ذهبية يعود بها للشام أو الحجاز ، هذا تشريع إسلامي معمول به في كل الغزوات التي قام بها المسلمون ، فلا استنكار لها في كتب التراث ولا في كتب الفقهاء ، واستغربت كيف أن أبا الدرداء استنكر ونقم على ما شاهده في قبرص ، واعتبره ترك لأوامر الله بصيانة النفس البشرية من الظلم ، ومن هنا يتضح أن الصحابة أنواع وأصناف ففيهم المساير للسياسة الأموية الجبرية ، ومنهم من استنكرها وأبان عيوبها على شاكلة أبي الدرداء فيما صرح به لمحاوره جبير بن نفير ، وأُصاب بنكسة عندما يقول المشايخ بأن الإسلام جفف منابع الرق ، وأنصف العبيد ، ويظهر من خلال دراسة التاريخ خلاف ذلك كله ، فالرق تكاثر بفعل الغزوات التي تذكر تجاوزا بالفتوحات ، فيذكر المؤرخون أن أسواق النخاسة نشطت أيام انتشارالإسلام ، فبلاد المغارب مثلا كانت تعرف بمخزن العبيد ، فقد حول موسى بن نصير وحده 300 ألف منهم لدار الخلافة بدمشق ، فقصور الخلفاء والأمراء والقادة والوزراء تعج بسبايا افريقية ، التي غدت في نظر العرب أرض المغانم والأسلاب والسبي،أرض أكوام الورق ،وقناطير الذهب و السبايا الجميلات ، فالزنج عندما ثاروا ضد العبودية كانوا على حق ، فقد خاضوا ثورة لإفهام عرب آل العباس بأن السبي والعبودية ليست مقصورة على الملونين من بني البشر ، فقد تتعداه إلى العرب بالذات الذين أصبحوا أسرى وعبيد عند الزنج ، ليذوقوا ما كانو يقترفونه ضد العبيد .
** في الرق ازدواجية معيار ..
الغريب حقا أن نجد في شريعتنا الإسلامية التي نقول عنها أنها متسامحة ورحيمة مع الضعيف صنوفا شتى مؤيدة ومجيزة للعبودية عبر حزمة من التشريعات الفقهية التي تُرَسم الفعل ولا تسجبه أو تجرمه ، وبنصوصهم الفقهية عمقوا الفعل ورسخوه ، وتحول الرق إلى بضاعة رائجة بتوسع الغزوات ، فلم يكن الإنشغال منصبا على تجفيف منابع الرق والحد منه ، وإنما كان جهد الفقهاء منصبا على تقنينه عبر شبكة من من النصوص الفقهية تشير إلى طرائق قمح الغش في تعاملات بيع العبيد ، وكيفية درأ مخالفاتهم وأساليب خصيهم وتوريثهم أو عتقهم ، فهم كثيرا ما يوصفون بالأنجاس المناكيد ، وتواصوا ضدهم ، بأن العبد لا يشترى إلا والعصى معه ، لإخضاعه للعبودية بتعدد أوجهها ، وهي إشارات دالة على تورط الجامع( المسجد) بترسانة فقهائه الذين انشغلوا بتقنين الجريمة بدل الإنشغال في كبحها وإبطالها بمحاربة جذورها الجاهلية .
ومما يدمي القلب أن فقه الرق ، والغلمان، والسبايا ، والجواري ، وملكات اليمين أخذ بعدا تشريعيا لا عيب فيه ، فعندما تتصفح فقه ( ابن بطلان) الذي عاش في( منتصف القرن الحادي عشر الميلادي) ، أو الفقيه صحنون المالكي القيرواني الشارح لمدونة أبي القاسم الذي عاش قبله في (النصف الأول من القرن التاسع الميلادي) ، نقرأ فيهما على سبيل المثال لا الحصر ما يلي
* العدو الذي يُسلم ، كل ما يتركه وراءه بما في ذلك أسرته يظل فيئا للمسلمين ؟
*العبد المحارب مع المسلمين ليس له نصيب في غنائم الحرب ؟ وبإمكان الحاكم أن يعطيه جزءا يسيرا إن أراد .
*أهل الذمة يحق لهم امتلاك العبيد شريطة ان لا يكونوا مسلمين .
* لا يجوز استرقاق العرب ، حسب عمر بن الخطاب القائل ( لاسباء على عربي في الإسلام ) ، أو كما قوًّلوا الرسول ( لا رق على عربي ) .
* إذا زنت الجارية تجلد ولا ترجم ، وسيدها يملك عوراتها وبطنها ( جنينها) ، وظهرها ( جهدها ) .
* العبد لا يمكنه الزواج إلا بإذن سيده ، ولا يحق له الزواج بأكثر من اثنتين ، ولا يحق له التسري ، فهو نصف الحر في الحقوق .
*لا يمكن لجارية أن تشارك زوجة حرة في زوجها ، ونصيب الجارية ( في عدد الليالي ) نصف الحرة ، وابنها إن ولدت فهو عبد لسيده ، ولا يوجد حد لعدد السرايا ( ملكات اليمين ) .
*إذا تزوج أعجمي ( غير عربي) بجارية عربية ، فالأبناء ينسبون لأمهم العربية ؟ .
* بعد عتق العبد ، يصبح من موالي سيده السابق ، فطارق بن زياد الأمازيغي فاتح الأندلس، كان من موالي موسى بن نصير ، وما أنجزه من انتصار للإسلام يحسب لوليه موسى بن نصير ولا يحسب لنفسه ، وهو ما يجعل الأعاجم المسلمين دون العرب مرتبة ، ولو بلغوا من الجهد والكسب ما لم يقدر عليه العرب أنفسهم ، وهو ما يعني انقلاب الآية من( أكرمكم أتقاكم) إلى (أكرمكم أعربكم).
هذه الأمثلة تدل على أن الإسلام سُخّر لخدمة المسلمين العرب دون غيرهم ، فهو ببعد منحاز للعرب أولا ، ثم المسلمين من العجم من بعدهم ، ومن ورائهم أهل الذمة ، ثم أهل الوثن ، فالملك العضوض احتكر الإسلام وأوَّل آياته لتخدمه في الدنيا والآخرة ، فغزوُهم يعني سلب أموال الفلاحين الغلابى عن طرق الأتاوات والجزية ، التي يخصص مالها لشراء العبيد ، الذين يسخرون لخدمة الأسياد ( عبيد حرب )، ولتلبية الحاجات الجنسية للأسياد عبر ملكات اليمين ، فالعرب أذكياء ، وذكاؤهم دفعهم إلى الإستغناء عن الحرب باستعمال عبيدهم مكانهم ، وهم بارعون في استغلال غيرهم وسرقة أموالهم والتمتع ببناتهم وغنائمهم التي افاء الله عليهم بها باسم الدين وببلاش ، أو ليس ذلك نوع من أنواع الغش الديني ؟ لصالح فئة دون أخرى ، وتلك دلالات غُيبت ، وسكت عنها الساكتون لأنها كاشفة للنوايا وظاهرة لحقيقة أن المسلمين لم يكونوا أرحم من غيرهم في معاملة العبيد المناكيد ، ويبدوا من حقائق التاريخ بأن الإسترقاق والعبودية كان تخصصا مغربيا متميزا في عصور الإسلام الزاهرة حسب مقولة المؤرخ ابن حوقل القائل ( إفريقية وباقي مناطق المغرب تمدُّ الشرق بمولدات جميلات ، وعبيد وخصيان سود أو روم .).
خلاصة القول أن العبودية بتحويل المنهزمين إلى سبايا ،رغم أنهم لم يشاركوا في الحرب( نساء ، أطفال من الجنسين ) أمر مذل لا يقبله عاقل اليوم ، وإن كان مستساغا بعقلية الماضي المتشبعة بتأويل فاسد ، إذ لا يعقل أن يتحول الدين الإسلامي السمح ، الدين المحرر ، الدين العطوف الرحيم ، إلى دين تسلطي ينقلُ الناس من التحرر ، ليدخلهم في غياهب السبي ومقترفاته الآثمة ، التي تفرق بين الأزواج والأخوة ، وتبعدهم عن الأوطان بتهجيرهم ، و يباح فيهم التسري باعتبارهم ملك اليمين ، ولو بآلاف منهن ، وهي أمور بعيدة عن العدالة الربانية والإنسانية ، وهما اجتهد المشايخ المجتهدون في تبريرها ، فهي أفاعيل باطلة مقرفة يستنكرها العقل والمنطق ، ولا يمكن لهؤلاء تفهم ذلك إلا بتذوق الفعل والمعانات منه مصداقا لقول أحد الشعراء قياسا: ( لا يعرف الشوق إلا من يكابده ، ولا الصبابة إلا من يعانيها )، وما يقوم به بعضنا من تمجيد للعبودية والسبي والرق في عهد الإسلام يمكن إدراجه ضمن تمجيد الأفعال الدنيئة

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مختصر تفسير الحزب الأول... سورة البقرة الجزء الأول

الجزء الأول من القران: هذا الجزء مكون من ثمانية أرباع: - ربع الحزب الأول: يتكلم عن أصناف الناس وكأننا نستعرض الأصناف الموجودة على هذه الأرض والتي سيكلف أحدها بالإستخلاف. - الربع الثاني: أول تجربة إستخلاف على الأرض: آدم عليه السلام. - الربع الثالث إلى السابع: أمة استخلفها الله على هذه الأرض لمدة طويلة وفشلت في المهمة، بنو إسرائيل.  - الربع الثامن والأخير: تجربة سيدنا إبراهيم عليه السلام الناجحة في الإستخلاف.  تجربة سيدنا آدم تجربة تمهيدية تعليمية، وكانت المواجهة بين إبليس وسيدنا آدم عليه السلام لإعلان بداية مسؤولية سيدنا آدم وذريته عن الأرض. ثم بنو إسرائيل: نموذج فاشل، فهم أناس حملوا المسؤولية وفشلوا، وتستمر السورة في ذكر أخطائهم لا لشتمهم ولكن ليقال للأمة التي ستستخلف: تنبهي من الوقوع في الأخطاء التي وقعت فيها الأمة التي قد سبقت في الاستخلاف! وآخر ربع يضرب الله به المثل بالتجربة الناجحة لشخص جعله الله خليفة في الأرض وهو سيدنا إبراهيم عليه السلام. ويكون الترتيب هذا منطقياً، فبدأَ بآدم التجربة الأولى وختم بالتجربة الناجحة لرفع المعنويات وبينهم التجربة الفاشلة، للت
"ميسرة المطغريّ" (أو المدغريّ) بطلٌ أمازيغيٌّ، رفض الانصياع للعرب الفاتحين، ما جعلهم يصفونه في كتب تاريخهم بالحقير، والخفير، والفقير، والسقّاء. ولربّما ترجع هذه الألقاب إلى كون "ميسرة" ينحدر من عائلةٍ فقيرةٍ، وأنّ أباه، أو هو نفسه كان سقّاءً يبيع الماء في الأسواق (E. L?vi-Proven?al). وقد أجمع أكثر المؤرّخين (العرب طبعاً) على تلقيب ميسرة بـ "الحقير"، على الرغم من أنّه لم يكن في حياته حقيراً؛ فقد كان ـ كما يقول ابن خلدون ـ شيخ قبيلته والمقدّم فيها؛ وكان من خوارج المغرب الصفريّة، من مدغرة أو (مطغرة)، وهي بطنٌ من زناتة. كما كان من أتباع المهلّب بن أبي صفرة (أو من أتباع زياد بن أبي صفرة). وفي العودة إلى الوقائع التاريخيّة، نجد أنّ الظلم الأمويّ كان من الأسباب المهمّة في بحث المسلمين عموماً عن أفكارٍ ثوريّةٍ تُشرّع لهم مواجهة الظّلم والتعصّب القوميّ والقبائليّ، وهو ما تُظهره تجربة البربر في الغرب، حين مالوا إلى الفكر الخارجيّ، بعد معاناةٍ طويلةٍ مع السلطة الأمويّة، وبعد الإجحاف الذي طالهم، إثر دورهم الرئيسيّ في فتح الأندلس، وفي تثبيت