التخطي إلى المحتوى الرئيسي

هناك معارك ومعارك..

هناك معارك خاسرة.. ومعارك لا تستحق أن تبذل فيها جهداً..ومعارك تتوهم أنك فزت فيها..ومعارك يكفيك شرف خوضها..
هناك من يتعارك من أجل خبزة المساء..ينام ليلاً كي يرتاح من تعب يوم ويستقبل تعب يوم آخر..يتجوّل بعربته بين الأزقة باحثا عن زبون ما لم تجذبه عروض مرجان وكارفور وأسيما وأسواق السلام..أو يلوذ بمكان ما يضمن له لقاءً تجارياً بسيطاً يقيه دخولاً مذلا لحجره في المساء..قنينة الغاز تنتظر..الكراء ينتظر..الأطفال ينتظرون..الزوجة تنتظر..أما هو..ففقد هواية الانتظار من زمان.
هناك من يتعارك من أجل صورة حزبه وفقط..يقضي وقته في تلميع صورته وتسفيه المخالفين والحط من شأنهم..لا تهمه المبادئ ولا الوعود..ولا البرامج ولا السياسات..كل ما يأتي من زعيمه هو قرآن منزل..وكل ما يأتي من المنتقدين مؤامرة وبهتان..يعتقد أنه ينتمي إلى أشرف الأحزاب..ويتناسى كيف نكح الآخرون عذرية حزبه فوق سرير يسمى مجازاً "الانتقال الديمقراطي".
هناك من يتعارك من أجل إرضاء مراهقته..يقضي وقته في تتبع الفتيات..كل همه أن تجيبه واحدة على "فيس بوك" وتضرب له موعداً في مقهى تصلح للكذب المباح..وبعد ذلك يتحوّل الهم إلى إقناع بزيارة "البرتوش"..وبين "البرتوش" و"فيس بوك"..تضيع ساعات وأيام وسنوات..ويدرك المحارب تفاهة اختزال الحياة في تضاريس ومنحنيات الأجساد.
هناك من يتعارك من أجل الوصول إلى السلطة فقط..لا يهمه كم كذب على الآخرين..ولا كم من كميات الوهم باع لهم..قد يشتري الأصوات بأمواله..وقد يشتريها بكلامه..لكنه في النهاية يبيعها لمن هم أكثر قذارة منه مقابل أن يمنحوه بعضاً من سراب الحكم..وعندما يعود إلى مكانه الأصلي ذليلاً منصاعاً..يتذرع أن وحوشاً كاسرة منعته من الحياة في عوالم القذارة لوقت أطول..
هناك من يتعارك من أجل أن يصفق له الآخرون..يريد الفوز بجائزة ما مهما كانت بخسة كي يتباهى بها أمام من يصدقون فتوحاته الصوتية..ويريد تحقيق إنجاز مهما كان تافهاً كي يُرضع جنون عظمته..يريد أن يلعب أدوار البطولة في زمن مات فيه الأبطال..بينما لو عرف حقيقة نفسه.لوجد أنه مجرد دجاجة تتوهم نفسها نسراً..في زمن صار النسر يخال نفسه دجاجةً..
هناك من يتعارك من أجل امتحان تافه..يقضي الليالي يقرأ كتباً مملة..ويحفظ دروساً تافهة..يبحث عن نقطة تجعله سيد قسمه ومدرجه..وعندما تتواجه انتصاراته الصغيرة مع أول صخور الحياة..تتكسر بشكل يستحيل عليه أن يجمع شظاياها مرة أخرى..ليدرك أنهم خدعوه ولم يمنحوه حتى حق مواجهة الامتحانات الحقيقية..
هناك من يتعارك من أجل نيل رضا رئيسه..يبحث عن حفر يرمي فيها زملاءه..عن قصص تافهة يؤلفها عنهم..الترقية تساوي عنده التملق..والأجر الشهري يساوي عنده 'لحيس الكابة"..والامتيازات تساوي عنده تبخيس جهود الآخرين..لا يريد أن يكون أحداً أحسن منه حتى ولو كان يعي أنه هو الأسوأ..يداري فشله بضرب نجاحات الآخرين..ليفوز في نهاية الأمر ما دام هو الأكثر قدرة على الانبطاح..
هناك من يتعارك من أجل مبادئ هو نفسه لم يعد مؤمناً بها.. أو من أجل إيديولوجية هو ذاته لا يفهمها..يناضل من أجل شيوعية هرمَت وصارت تبحث عند العطار عن دواء يبيد تجاعيدها الظاهرة..أو من أجل ليبرالية مفترسة حوّلت الحياة إلى سوق نخاسة يربح فيه من يدفع أكثر..أو من أجل أحزاب لم تعد تصدق برامجها..أو من أجل حركات أدمنت الاحتجاج لأنه الوسيلة الوحيدة لقتل الوقت في أزمنة خانها التوقيت..
هناك من يتعارك من أجل إثبات ولائه لفريق ما..وهناك من يتعارك من أجل مطربة من آخر زمن..هناك من يتعارك من أجل حب سطحي..وهناك من يتعارك من أجل وسامة خادعة..هناك من يتعارك من أجل أحلام لن تتحقق..وهناك من يتعارك من أجل العراك فقط..
هناك معارك خاسرة..ومعارك لا تستحق أن تبذل فيها جهداً..ومعارك تتوهم أنك فزت فيها..ومعارك يكفيك شرف خوضها..
كل واحد لديه معركته..كل واحد لديه غزواته..هناك من يتعارك بنبل وبأسلحة واضحة..وهناك من يتعارك بخبث وبأسلحة خفية..هناك من يحارب بشرف..وهناك من يحارب بنذالة..هناك من يجعل كرامته أكبر من كل شيء في كل معاركه..وهناك من يجعل كرامته حصيرة رثة يدوس عليها لكي يفوز..
فهنيئا له بفوز جبان..وهنيئاً لك بخسارة الشجعان.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مختصر تفسير الحزب الأول... سورة البقرة الجزء الأول

الجزء الأول من القران: هذا الجزء مكون من ثمانية أرباع: - ربع الحزب الأول: يتكلم عن أصناف الناس وكأننا نستعرض الأصناف الموجودة على هذه الأرض والتي سيكلف أحدها بالإستخلاف. - الربع الثاني: أول تجربة إستخلاف على الأرض: آدم عليه السلام. - الربع الثالث إلى السابع: أمة استخلفها الله على هذه الأرض لمدة طويلة وفشلت في المهمة، بنو إسرائيل.  - الربع الثامن والأخير: تجربة سيدنا إبراهيم عليه السلام الناجحة في الإستخلاف.  تجربة سيدنا آدم تجربة تمهيدية تعليمية، وكانت المواجهة بين إبليس وسيدنا آدم عليه السلام لإعلان بداية مسؤولية سيدنا آدم وذريته عن الأرض. ثم بنو إسرائيل: نموذج فاشل، فهم أناس حملوا المسؤولية وفشلوا، وتستمر السورة في ذكر أخطائهم لا لشتمهم ولكن ليقال للأمة التي ستستخلف: تنبهي من الوقوع في الأخطاء التي وقعت فيها الأمة التي قد سبقت في الاستخلاف! وآخر ربع يضرب الله به المثل بالتجربة الناجحة لشخص جعله الله خليفة في الأرض وهو سيدنا إبراهيم عليه السلام. ويكون الترتيب هذا منطقياً، فبدأَ بآدم التجربة الأولى وختم بالتجربة الناجحة لرفع المعنويات وبينهم التجربة الفاشلة، للت
"ميسرة المطغريّ" (أو المدغريّ) بطلٌ أمازيغيٌّ، رفض الانصياع للعرب الفاتحين، ما جعلهم يصفونه في كتب تاريخهم بالحقير، والخفير، والفقير، والسقّاء. ولربّما ترجع هذه الألقاب إلى كون "ميسرة" ينحدر من عائلةٍ فقيرةٍ، وأنّ أباه، أو هو نفسه كان سقّاءً يبيع الماء في الأسواق (E. L?vi-Proven?al). وقد أجمع أكثر المؤرّخين (العرب طبعاً) على تلقيب ميسرة بـ "الحقير"، على الرغم من أنّه لم يكن في حياته حقيراً؛ فقد كان ـ كما يقول ابن خلدون ـ شيخ قبيلته والمقدّم فيها؛ وكان من خوارج المغرب الصفريّة، من مدغرة أو (مطغرة)، وهي بطنٌ من زناتة. كما كان من أتباع المهلّب بن أبي صفرة (أو من أتباع زياد بن أبي صفرة). وفي العودة إلى الوقائع التاريخيّة، نجد أنّ الظلم الأمويّ كان من الأسباب المهمّة في بحث المسلمين عموماً عن أفكارٍ ثوريّةٍ تُشرّع لهم مواجهة الظّلم والتعصّب القوميّ والقبائليّ، وهو ما تُظهره تجربة البربر في الغرب، حين مالوا إلى الفكر الخارجيّ، بعد معاناةٍ طويلةٍ مع السلطة الأمويّة، وبعد الإجحاف الذي طالهم، إثر دورهم الرئيسيّ في فتح الأندلس، وفي تثبيت